إذا أقام خصمه الحاضر البينة وسأل الحكم له، واستحسن مالك التوقف على الرباع، وقد قال: يحكم بها وهو النظر، وقال أبو حنيفة: يسمع دعوى الحاضر وبينته على الغائب، ولكن لا يحكم له عليه ولا على من هرب قبل الحكم أو بعد إقامة البينة، ولا يحكم عنده على الغائب إلا أن يتعلّق الحكم بحاضر، مثل أن يكون للغائب وكيل، أو وصي، أو تكون جماعة شركاء في شيء فيدّعى على أحدهم وهو حاضر فيحكم عليه وعلى الغائب.
ودليلنا حديث أبي موسى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضره الخصمان وتواعدا الحضور من الغد فوفى أحدهما ولم يف الآخر، قضى للذي وفى على الذي لم يف، وقد علم أنه لم يقض عليه بمجرد دعوى خصمه وإنّما كان يمضي بالبينة، ولأنها بينة مسموعة فإذا طلب صاحبها الحكم بها وجب أن يكون له، كما لو كان الخصم حاضرًا، ولأن كل من جاز أن يقضى عليه بالبينة مع حضوره جاز وإان لم يحضر، أصله الطفل والغائب إذا كان وكيله حاضراً، ولأنها دعوى مستحقة على غائب قامت بها بينة، فوجب أن يحكم به، أصله إذا ادعى عليه قتل خطأ، لا خلاف أنّه يحكم للمدّعي إذا أقام البينة بالدّية على العاقلة ولو كان غيباً، ولأنّ غيبة المدعى عليه لا تمنع الحكم عليه، أصله إذا ادعى على ميت دينًا فأقام البينة، أو ادعى على جماعة غيَّب وأحدهم حاضر، ولأن في ذلك ذريعة إلى إبطال حقوق الناس، لأنه لا يشاء أحد أن يأخذ أموال الناس ولا يؤديها إلا غاب فلا يمكن القضاء عليه، ولأن الاتفاق حاصل على أن الحاكم يسمع البينة عليه، والفائدة في ذلك الحكم بها، وإلا لم ينتفع باستماعها، ولأنّ أبا حنيفة موافقنا أن المرأة إذا ادعت نفقة على زوجها وهو غائب، وذكرت أن له وديعة عند رجل، واعترف بها من هي عنده أنّه يقضى لها بنفقتها ويؤخذ لها منه، فكذلك سائر الحقوق.
[١٩٣٩] مسألة: إذا ثبت الحق للمدَّعِي عند الحاكم بشهود عرف عدالتهما حكم به، ولم يحيف المدعي مع شاهديه، وقال ابن أبي ليلى: