جازت شهادتهما، وقال عبد الملك: لا يقبل على شهادة كل واحد إلا اثنان آخران، وهو أحد قولي الشافعي؛ فدليلنا أنه نقل قول اثنين إلى الحاكم بشهادة شاهدين فيما يثبت بشهادة شاهدين فجاز ذلك، أصله إذا شهد عند الحاكم اثنان على إقرار اثنين بدين، ولأن كل واحد من شهود الأصل قد شهد على شهادته اثنان، فأشبه إذا كانا آخرين.
[١٩٧٥] مسألة: إذا رجع الشهود قبل الحكم لم يحكم بشهادتهم، وقال أبو ثور وداود: يحكم بها ولا يؤثر رجوعهم شيئاً؛ فدليلنا أن قبول الشهادة مشروط بغلبة ظن الحاكم على صدقهم، ورجوعهم يزيل هذا المعنى، ولأنهم إذا رجعوا بطل الأول، وصار الحكم للثاني الذي رجعوا إليه، لأن ذلك هو الموجود وقت الحكم، كالحاكم إذا اجتهد في شيء فأداه اجتهاده إلى أمر ما ثم بأن له فساده قبل الحكم فإنه يرجع عنه، ويحكم بما أداه إليه اجتهاده في الثاني.
[١٩٧٦] مسألة: إذا رجعوا بعد أن حكم بشهادتهم فلا ينقض الحكم، خلافاً لمن قال: ينقض؛ لأنه يحتمل أن يكونوا صادقين في ذلك الوقت، ويحتمل كذبهم، فاستوى الحالان، للأول مزية وهو الحكم به فلم يجز نقضه.
[١٩٧٧] مسألة: إذا شهدوا بقتل واحد ثم رجعوا بعد أن استوفى ذلك، وقالوا: تعمّدنا الكذب، ففيها روايتان؛ إحداهما: أنهم يقتلون، وهو قول الشافعي؛ والأخرى: لا يقتلون وتلزمهم الدّية، وهو قول أبي حنيفة.
فوجه القول الأول بأنهم يقتلون، ما روي أن علياً عليه السّلام جاءه شاهدان فقالا له: نشهد أن هذا سرق، فقطعه، ثم جاءا بآخر فقالا: غلطنا، إنما هو ذا، فردَّ قولهما الثاني؛ وقال: لو أعلمكما تعمَّدتما قطعه