ويستدل الكوفيون بأن المصدر معمول الفعل، والفعل عامل فيه، والعامل فيه المعمول.
وهذه التعاليل كما تراها، وقد سبق في المثل: أضعف من علة نحوي، والتحقيق خلاف هذا كله، وكان من حق أبي المعالي لما خاض في صناعة النحو، أن ينبه على طريقة التحقيق، التي تقتضيها الأصول، وذلك أن قولهم: المصدر أصل للفعل، أو الفعل أصل للمصدر، إن أريد بذلك أن أحدهما حقيقة والآخر مجاز، والحقيقة أصل للمجاز، فهذا مما لا يذهب إليه ذاهب، ولا خلاف أنا إذا قلنا قام زيد قياما فإن قولنا: قام، لفظة من الحقائق، لا تجوز فيها، وقولنا: قياما، لفظة من الحقائق لا تجوز فيها أيضا.
فقد وضح بطلان صرف الأصلية والفرعية إلى هذا الوجه، وإن أرادوا بقولهم: هذا أصل، وهذا فرع أن اللفظتين حقيقتان، ولكن النطق بهذه سبق النطق بهذه، فهذا غيب لا يعلمه إلا علام الغيوب، والبحث عنه عناء لا يجدي، والمفكر فيه، يقيمه الفكر فيه بين العجز والتعب، وأي فائدة في سؤال السائل عن تسمية الحائط، والجدار أي اللفظتين نطق به أو لا؟.
وهذا إن قيل: إن اللغة توقيف، فإنما معنى السؤال عنه، هل علم الله سبحانه آدم مثلا هذه اللفظة قبل أن يعلمه الأخرى؟ ولو قيل: إن اللغة اصطلاح، فأول المصطلحين عليها، ما الذي قدم وأخر؟ هذا مما لا يعرف، ولو عرف ما أفاد (...)(ص ٥٨) اللفظتين الحقيقتين.
فهذا وجه التحقيق في هذا الذي اشتهر كلام النحاة عليه، وما اعتلوا به، قصارى ما يوردون منه استفادة ظنون، والظنون هاهنا لا تنفع، لأنه ليس بموضع عمليات شرعيات، فتستعمل فيها الظنون، وإنما المراد القطع على ما كان، وهذا لا يحصل إلا بدليل قاطع.
وذكر أبو المعالي أن الحرف على أربعة أقسام:
- منها ما وجوده كعدمه، لا يغير إعرابا، ولا معنى كالحروف الزوائد، مثل قوله تعالى:(فبما رحمة من الله لنت لهم).