يتأول، ويستنبط، ولا حجة باستنباطه على فقيه غيره، وأما الحديث فليس بتصريح باقتضاء الواو الترتيب، وإنما تضمن البيان عن حكم الشرع في البداية بالصفا، فعبر عن قوله: ابدأوا بالصفا، بأن قال نبدأ بما بدأ الله به، ولو كانت تقتضي الترتيب لم تفتقر إلى أن ينبههم على وجوب البداية بالصفا لأن لسانهم لا يفتقرون فيه إلى تعليم وبيان، وإنما يبين لهم المراد بالمشكل المحتمل.
وأما المنكرون للترتيب فإنهم يعتمدون على حسن دخول حرف الواو في باب المفاعلة، لأنك تقول تضارب زيد وعمرو، ولا يحسن أن تقول تضارب زيد فعمرو، ولا تضارب زيد ثم عمرو، لما في هذا من التناقض، لأن قولك تضارب يقتضي وجود المضاربة من هذا وهذا في حالة واحدة، وقولك: تضارب زيد ثم عمرو يقتضي ضرب زيد لعمرو فحصل الكلام متناقضا، فلهذا قبح، فلو كانت الواو تفيد ترتيبا لقبحت العبارة هاهنا أيضا، لأجل ما تضمنه [ذلك] من التناقض.
واستدلوا أيضًا بأن من قال: جاءني الزيدون كان الأصل فيه: جاءني زيد وزيد وزيد، فلما قبح عندهم هذا التكرير، ورأوه عيا اختصروا فقالوا: جاءني الزيدون، فكأن الواو في قولك: زيد وزيد وزيد هي الواو في قولك: الزيدون فلما كانت الواو في قولك: الزيدون لا تفيد ترتيبا بإجماع، فكذلك لا تفيد ترتيبا في قولك: زيد وزيد وزيد.
واستدلوا أيضًا بقوله تعالى:(وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) وفي آية أخرى: (وقولا حطة وادخلوا الباب سجدا)، فلو كانت الواو تتضمن ترتيبا، القصة واحدة لم لم يحسن تقديم السجود على القول، والقول على السجود مرة أخرى لأن الواو يوجب فعل أحدهما قبل الآخر، فإذا قدم هذا على هذا مرة، وهذا على هذا مرة أخرى، بطل الترتيب المستفاد، ولم يصح ذلك إلا أن يكون أمرا لفئتين، أو لفئة واحدة في زمنين مختلفين.
وأنكر أبو المعالي على من قال إنها وضعت للجمع، فأنا نعلم أن القائل: جاءني زيد وعمرو، فلا تفهم العرب عنه أنهما جاءاه معا، بل يحتمل قوله أن يجيئاه معا، أو يجيء واحد، بعد واحد، وهذا منه ظن بالفقهاء أنهم أرادوا بقولهم: ترد للجمع هذا المعنى الذي أشار إليه، وأفسده عليهم، وأظن أنهم ما أراده، وإنما أرادوا بالجمع أنهما اجتمعا في المجيء مع احتمال أن يكون جاءا معا، أو مفترقين، وقد ذكر بعض المصنفين المحققين أن الواو إنما وردت للجمع، وفسر الجمع بالاحتمال الذي قلناه.
وأما إشارة أبي المعالي إلى أنها ترد للجمع على غير هذا القصد، والغرض كقولهم: