وجماعاتها كائنة بالقدرة، وأما اختصاص القول بالإرادة الأصلية، أو تعيين إفادة فيه مع تجويز ما سواها، فقد ذكرنا مذهب المعتزلة فيه، البصريين والبغداديين، فحكينا عن الكعبي شيخ البغداديين أنه يرى ذلك من الصفات الواجبة، وأصلهم أن الواجب لا يطلب له تعليل، والبصريون منهم يرونه من الجائزات فللقول عندهم حال اختص بها حتى كان بهذه الحال إيجابا، وهي خلاف الحال التي اختص بها الندب، حتى كان ندبا.
والقاضي قد اختلف قوله في هذا أيضا فأنكر مرة هذه الحال، ورأى أنا تقطع على تماثل الصورتين وهي القول: افعل، والمتكلم موجب، والآخر نادب، وسبقه الكعبي في اعتقاده اختلاف هاتين الصورتين ومصيره إلى اختلاف هاتين الصيغتين، وأنكر استبدال القول: افعل، وهو موجب بصفة نفسية دون القول: افعل، وهو نادب، وأشار إلى مكابرة البديهة، وقطع القول بتماثل الصيغتين والقطع بالتماثل يمنع من استبداد أحد المثلين، بصفة دون الآخر. وصار مرة أخرى إلى ما قاله البصريون من إثبات حال لهذه الذوات.
وهذه مقالة يسرع لأجلها القول إليه بالقدح فيما قرر أصوله عليه، لأنه إن أثبت اختلاف الذوات لاستبداد كل ذات بحال، ليست بحاصلة لذات أخرى، فقد سلم ما قال الكعبي من الاختلاف وإن تمادى على مخالفة الكعبي، وقال بالتماثل مع اختصاص أحد المثلين بحال لم تحصل للمثل الآخر فقد هدم أصل التماثل، لأن أصله أن التماثل لا يتحقق إلا مع التساوي في سائر الصفات المتعلقة بالنفس.
فإذا قلنا بأحد قوليه، وهو إثبات هذه الحال كما قاله البصريون من المعتزلة فإنه قد قال: المقتضي لهذه الحالة الإرادة، كما قاله البصريون، وقد قال مرة أخرى، وهو يذكر هذه الحال: لو كنت قائلا بإثباتها لجعلت مقتضيها القدرة بشرط الإرادة، فصار في هذا النوع قولان: هل هو أثر، وحال، أو ليس بأثر، ولا حال؟ وإن قلنا إنه أثر وحال، فما يكون مقتضيه؟ فيه قولان: الإرادة، وهو المنصوص عليه، والقدرة على حسب (ص ٧٤) ما حكيناه عن القاضي.
وأما قولهم في الصفات الواجبة التابعة للحدوث، فقد ذكرنا مذهبنا فيه، ومذهبهم، وحكينا اختلاف قول القاضي في ذلك، هل يتعلق بالفاعل أم لا؟ وهي مسألة ينجر إلى فصول الكلام دقائق، لا يمكن إيرادها هاهنا، منها ما أشرنا إليه من أحكام القدر، وتعلقاتها، وكون الباري سبحانه خالق لقدرنا باتفاق منا، ومن المعتزلة، وقدرنا خلقها الباري سبحانه متضمنة لمقدوراتها، فهل يكون فعلا له، وبه وقعت لإيقاعه ما تضمنه فيه ما قدمناه قبل هذا؟