للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد صار الكعبي إلى إلحاق هذا الاسم بما ذكرناه في قسم الصفات التابعة للحدوث، فرأى أن الأمر إنما كان (ص ٧٣) أمرًا لنفسه، ولم يفتقر في ذلك إلى إرادة تصيَّره أمرًا، وكذلك إنما اختص الأمر بكونه واجبًا دون أن يكون ندبًا، أو ندبا دون أن يكون واجبا لنفسه، وقد اختص الأمر الإيجابي بصفة نفسية، هي خلاف الصفة النفسية التي اختص بها الأمر الاستحبابي، وهذا سبب الخلاف بينه وبين أصحابه، وذلك أنه لما قدر أن هذا الاختصاص واجب لا يجوز غيره، لأن في تجويز غيره انقلاب الذوات، وصفات الأنفس منع من افتقاره إلى مقتض، بناء على أصلهم أجمعين في أن الواجب لا يعلل، ولما رآه من الصفات الجائزة افتقر إلى مقتض يخصه بأحد الجائزين، وما ذاك عندهم إلا الإرادة. فهذا تلخيص مذاهبهم وبيانها.

وأما نحن فإنا نذكر مذاهبنا في هذه الأصول، فصلا، فصلا.

أما ما أثبتوه في العدم، فلا حاجة بنا إلى ذكره، لأننا ننكر أشد الإنكار كون الذوات ثابتة في العدم، ومن أنكر أصل الثبوت، فلا شك أنه ينكر صفات الثبوت.

وأما الحدوث فإنه عندنا متعلق بقدرة الله سبحانه وهو الإيجاد للفعل، وأما ما يتبع الحدوث مما لا ينفك الحدوث منه كالحيز، وما عددناه معه، مما سلمنا كونه من الصفات الواجبة فإنا إن أنكرنا الأحوال لم نحتج في هذا إلى النظر في مقتض، لأنه ليس هاهنا أكثر من الوجود، وقد قدرنا أن الإيجاد من تأثير القدرة، وإن قلنا بالأحوال فللقاضي قولة، كما قال القوم من أن هذه الصفات لا تتعلق بالفاعل وهذه الحال لا تكون بالفاعل بل تحصل من جهة إيجابها بعد تحقق الحدوث، وله قولة أخرى، وهي الصحيح، من أن هذه الأحوال إنما تثبت بالفاعل، لأنها تجدد، والمتجدد الحاصل بعد أن لم يكن حاصلا يفتقر إلى مجدد يجدده، وفاعل يصيره حاصلا. وهذا فصل يتعلق بغامض أحكام متعلقات القدر، وقد كنا أشرنا إلى شيء ينخرط في هذا السلك حيث تكلمنا على كون أفعالنا مخترعة لنا، أو مكتسبة.

وأما الصفات الجائزة التابعة للحدوث فأما الإحكام فلنذكر حقيقته ثم ننظر في مقتضيه، فالإحكام إذا كان في الأجسام فالمشار به إلى اتصالها على نظام، أو افتراقها على وجه ما مخصوص، وذلك يرجع إلى مجرد الأكوان، والترتيب في الكائنات ليس بأثر، فيتطلب له مقتض زائد على مقتضى ذواتها، وقد تقرر أن مقتضى ذوات الأكوان وحصولها موجودة إنما كان بالقدرة، وبين أصحابنا اختلاف في الجوهر الفرد أو العرض الفرد، قيل: [لا] يتصور فيه معنى الإحكام، لأجل عدم تصور النظام.

وقد يرجع اختلافهم إلى مناقشة في عبارة، والحاصل من هذا أن الموجودات آحادها،

<<  <   >  >>