للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبارة، وهي القول: الأمر المطلق هل يحمل على الفور أو على التراخي، فأما قولهم: على الفور فعبارة تطابق المعنى المراد، وتنبئ عنه، وأما قولهم: على التراخي فعبارة لا تطابق المراد، لأن مقتضاها أن البدار إلى الفعل لا يجوز، وهذا لم يذهب إليه أحد، وإنما مرادهم إجازة التأخير، فإذا كان هذا هو المراد فالعبارة المنيبة عنه أن يقال: يقتضي الامتثال من غير تعيين وقت) أو يقال: يقتضي الامتثال مقدما أو مؤخرا (ص ٨٠) أو ما في معنى هذه العبارات.

وكان شيخي يعبر عن هذا بأن يقول له: التراخي يشير إلى المكلف، وهذا كله تحرير عبارة، وإلا فالمراد متفاهم بين أهل هذه الصناعة، وإن عبر عنه بما ألفوه.

والوجه الثالث نقل المذاهب، فاعلم أن للعلماء في هذه المسألة ثلاث مذاهب:

فمنهم من ذهب إلى حمل الأمر على الفور والبدار، وينسب هذه المذهب إلى أبي حنيفة، وبعض أصحاب مالك البغداديين. وأشار بعضهم إلى استنباط هذا من قول مالك إن تفرقة الوضوء عمدا لا يجوز، ويوجب استئناف الطهارة، وما ذاك عنده إلا بحمل الأمر على الفور.

- ومنهم من ذهب إلى حمله على التراخي، ينسب هذا إلى الشافعي، وبه قال بعض المتأخرين من المالكية المغربيين، واستنبطوا أيضا هذا مما وقع لمالك من أمر للزوجة باستئذان الزوج في الحج، عاما بعد عام، وما ذاك عنده إلا حمل الأمر على التراخي.

- ومن الناس من ذهب إلى الوقف بين هذين المذهبين، فلم يقطع بأحدهما، ولأصحاب الشافعي هذه الثلاثة أقوال، وكذلك لأهل الظاهر.

فأما من قال بالفور فإنه يؤثم من أمكنه الفعل فأخره، ولكن اختلفوا على قولين بعد اتفاقهم على حصول التأثيم، هل يجب إيقاع الفعل بعد أن فاتت المبادرة إليه، ويكون ذلك من مقتضى الأمر الأول، وكان معناه: افعل عاجلا، فإن فاتك عاجلا فافعل فيما يليه، أولا يجب إيقاع الفعل بعد أن فات البدار إليه إلا بأمر آخر؟

وكذلك أصحاب التراخي اتفقوا على أن لا إثم في التأخير ما لم يغلب على الظن الفوات إن لم يفعل، ولكنه مع هذا اختلفوا إذا مات والتأخير له سائغ هل يأثم أم لا؟ فمن أصحاب مالك المتقدمين من آثمه، وهو الذي اختاره أبو المعالي، ومن الناس من لم يؤثمه، وهذا اختيار القاضي ابن الطيب.

<<  <   >  >>