ومن قال من هؤلاء بالتأثيم اختلفوا على قولين، هل يتعلق التأثيم بآخر زمن من فعل الإمكان الذي تعقبه الموت، ولا يتعدى هذا الزمان أو يتعلق به، وينبسط على ما قبله من أزمنة الإمكان؟
وكذلك الواقفية اختلفوا أيضا، هل الوقف في سائر الأزمان حتى يشك في المبادر إلى الفعل هل هو ممتثل للأمر أم لا، إنما يشك فيمن أخره عن أول زمن الإمكان، هل يتعلق به الإثم أم لا؟ وأما من بادر إليه ففعله، فلا شك في كونه مطيعا ممتثلا، وهذا مذهب حذاق المالكية الواقفية، وهو الذي اختار أبو المعالي.
والوجه الرابع سبب اختلاف هذه المذاهب، والوجه فيه أن نفرد أهل كل مذهب بتعلقهم.
فأما أهل الفور فيتمسكون باستدلال عقلي ولغوي وقياسي، وظواهر شرعية.
فأما الاستدلال العقلي فإنهم يرون أن القول بتجويز التأخير، يوقع في إحالة، إما إحالة مترددة ما بينها وبين إحالة غيرها، وإما إحالة متحدة معينة، فأما إيقاعه في إحدى إحالات، فتصور في المكلف إذا مات، فيسالون عنه، هل مات مؤثما أو غير مؤثم؟ في وزان من قال من أصحابنا بأنه يموت غير مؤتم، يوقعهم في إحالة واحدة، وهي إبطال حقيقة الوجوب، وإخراج الواجب إلى حقيقة النفل، وذلك أن النفل من مات ولم يفعله، فلا إثم عليه. فإذا كان الحج مثلا لا يؤثم من مات ولم يفعله، وقد تمكن منه، فقد لحق الحج المفروض بالنوافل.
وأما من قال بالتأثيم من أصحاب هذا المذهب كما حكيناه عنهم، فإنه يقع في إحدى إحالتين، الجمع بين إباحة الشيء والتاثيم فيه، لأنا إذا جوزنا له التأخير، ثم آثمناه في التأخير، فكانا تناقضا، لأن الجواز يرفع المآثم، والمآثم ترفع الجواز، وإن قيل إن التأخير إنما جاز بشرط ألا يموت المكلف قبل أن يفعل فقد علق الإباحة على أمر مجهول، وتعلق الأحكام على أمر مجهول، كالخطاب والإلزام بأمر مجهول، وذلك محال.
ولما كان القاضي ابن الطيب وابن فورك يريان انتفاء المآثم، اعتذروا عن هذا الإلزام بأن أثبتوا العزم على إيقاع الفعل بدلا من تقديم إيقاعه، ورأوا أن التأخير لم يسقط وجوبه إلا بإثبات عوض [عنه] وهو العزم، فأشبه تخيير الحانث بين إطعام المساكين، أو كسوتهم، فإن الإطعام وإن لم يؤثمه في تركه إذا لم يفعله وعوض عنه الكسوة لم يخرج عن حقيقة الوجوب، لأنه إنما سقط إلى بدل، كأنه هو، والنفل يسقط ولا يؤتى عنه ببدل.