وأنكر أبو المعالي إثبات العزم هاهنا، ولم يره عذرا، وانفصالا عن الإلزام، لأنه تعجب من القاضي إذا أنكر إشعار الصيغة بالوجوب، مع زعم أكثر العلماء أنها تشعر بذلك في اللسان، وأثبتها مقتضية للعزم.
وقد ظن أبو المعالي بأصحاب هذا الانفصال، ولم يقولوه، وذلك أنهم صرحوا بأن (ص ٨١) العزم لم يثبتوه بدليل قام عليه، وطعن أيضا فيما قالوه بأن المسألة مفروضة في عبادة متحدة متعينة، وإثات العزم مخيرا بينه وبين العبادة يخرج العبادة عن التعليق والاتحاد في الأمر، وهذا أيضًا لا يلزمهم، لأنهم يجعلون العزم بدلا من العبادة، حتى يكون إيقاع العزم يسقطها كالحال في الإطعام، إذا سقط للكسوة، وإنما يرون العزم عوض التقدمة، فإذا أوقع العزم سقطت عنه التقدمة خاصة، وبقي مطالبا بالفعل على حسب ما كان يطالب به أولا، في التخيير بينه وبين العزم، فلم يزل الأمر عن تعلقه بالفعل، ولا يسقط الفعل أصلا بفعل غيره، وطعن عليهم أيضا بأن أشار إلى أن هذا خرق الإجماع، وما أحد يؤثم من مات وسط الوقت في الصلاة، ولم يخطر له العزم ببال، ولا أحد يوجب إخطار العزم بالبال.
وهذا لا يسلمه له القاضي، ولو سلم القاضي الإجماع لم يجسر على مخالفته.
وقد كان دار بيني وبين الشيخ أبي الحسن اللخمي رحمه الله في هذا السؤال مقال طويل حين قراءة البخاري عليه، وذلك أني عرض له بمذهب القاضي في إيجابه العزم، فاشتد إنكاره لذلك، واستبعده، كما استبعده أبو المعالي هاهنا، واستعظم القول به، فلم يكن إلا قليلا حتى قرأ القارى:"إذا التقى المسلمان بسيفهما"، الحديث، وفيه تعليل النبي عليه السلام، كون المتقول في النار بكونه حريصا على قتل أخيه.
فقلت له: هذا يشير إلى ما قاله القاضي، لأن الحديث إنما اقتصر فيه التعليل بالحرص على المعصية التي هي القتل، ولم يتعرض إلى حمل السلاح لذلك، ولا إلى المكافحة، فلم يكن منه رحمه الله جواب، عن هذا ينقل سوى التمادي على الإشارة إلى استبعاد هذا.
وقد وقع لأبي المعالي في هذا الباب إغفال وذلك أنه ذكر عن القاضي أنه يقول بالعزم، وتردد المكلف بين العزم والفعل، كل وقت إلى آخر زمن الإمكان، ثم قال بعد هذا في الباب بعينه: ولا يظن بهذا الرجل العظيم ـ يعني القاضي ـ أنه يوجب العزم مكررا، وإنما يراه يجب مرة [واحدة]، وينسحب حكم هذه المرة على هذه الأزمنة،