للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيكون فيها كالعازم كالنية المنسحب حكمها من أول العبادة على أثناء العبادة.

فأنت ترى كيف اتفقت عليه هذه الغفلة، هو بنفسه يحكى عن رجل مذهبا ثم يقول: لا يظن أنه يقول به، ولو أورد عنه لفظا محتملا، ونبه على احتماله، ثم قال: لا ينبغي أن يظن به المصير إلى أحد محتمليه الذي هو كذا، وكذا، لحسن هذا، وأما وقد حكى عنه لفظا يبعد عن الاحتمال، ولم يتعرض حاكيه إلى تنبيه على احتماله، ثم يقول: لا يظن به أنه يقول: بما حكيت عنه أنه يقوله، هذا إهمال، وإنما يقع من مثله بحكم الاسترسال.

وأما القاضي فإنه سلك في إثبات العزم في التبشيع أيضا بعكس مطلوب أبي المعالي، فيقول: إذا خطر ببال المسلم فريضة من الفرائض مؤخرة فلابد أن يكون قد قارن هذا الخاطر تصميم منه على فعلها في المستقبل، أو تصميم منه على أنه لا يفعلها سائر أيام عمره، فاعتقاده، وتوطين نفسه على ألا يفعل ما فرض الله سبحانه عليه، كالتهاون بأمر الله سبحانه، والاستخفاف بمعصيته ومثل هذا لا يسوغه أحد، ولا يستخفه مسلم، وإذا كان منهي عنه كان ضده مأمورا به، وضده هو العزم على فعل الطاعة، فيقابل استعباد أبي المعالي إيجاب المسلمين العزم باستبعاده هو أن يقول المسلمون بإسقاطه، وفيه ما قلناه من الشناعة.

وهذا أوردته على الشيخ أبي الحسن اللخمي رحمه الله، تماما، لما كنت حكيته عنه، فأشار إلى أن هذا يرده الحديث الصحيح في أن "من هم بالسيئة ولم يعملها لم تكتب"، فإذا قلنا مثلا إن الحج على الفور، فقال في نفسه: لا أحج أبدا، ثم بعد ذلك حج صار الخاطر المتقدم هما، والهم بالمعصية مغفور، ومنعني من التمادي معه في هذه المسألة تعلقها بعلم قوم آخرين وهو النظر في الإرادات، والأمنيات، والعزائم والشهوات، وغير ذلك من اعتقادات القلوب، وكلام النفس، وهذا من الرقائق الذي لا يحسن استقصاؤه إلا في كتب علم الكلام.

فهذا الكلام في المسألة على طريقة القاضي القائل بأن من مات، وقد أخر العبادات التي ورد الأمر بها مطلقا لا يأثم.

وأما على طريقة من قال إنه يأثم فإنه يرى أن هذا الخطاب لا إحالة فيه، وإلى هذا أشار أبو المعالي، وليس في هذا إيقاع في تكليف ما لا يطاق، ولا إلزام (ص ٨٢) أمر مجهول، وذلك أن الممتنع في هذا أحد أمرين، إماما يمنع منه فهم المخاطب، كمخاطبة الميت والنائم وإلزامه حال نومه فعل ما خوطب به، وإماما يمنع الامتثال كقوله: تصدق بدرهم من الكيس معين، ولا يدله على عينه، ويلزمه امتثال ما أراد الآمر بأمره، وما عينه في طي غيبه، وإما إلزام المكلف الخطاب بعبادة يفهم معناها، والمراد بها، كالحج مثلا،

<<  <   >  >>