ويجعل ميقات إيقاعها سائر أيام العمر فإن أوقع فيه برئ من الأمر، وإن مات قبل أن يوقع باء بالإثم، فإنه لا إحالة في هذا، لأن الخطاب يفهم والامتثال يمكن، وبيد المكلف ركوب الخطر في الإثم أو القطع على السلامة منه، وقد جاء الشرع بإيجاب الكفارات إيجابا متراخيا، ولم يوقع ذلك في تكليف ما لا يطاق.
وأجمعت الأمة في قضاء الصلوات الفائتة بأعذار، ثم العمر مدة لقضائها.
وانتبه لتحرز أبي المعالي بقوله هاهنا: ثم العمر، فإنه لما صدر كلامه بإجماع الأمة على قضاء الصلوات الفائتة بأعذار، وكان جماعة من العلماء يوجبون القضاء على الفوز، والبدار، استفتح القول بحرف ثم، مشيرا به إلى مذهبه، لا إلى مذهب جمع الأمة، وهكذا أيضاً تحرزه بقوله: بأعذار، لأن قضاء من تعمد ترك الصلاة فيه خلاف، على أنه مع تقييده وتحرزه في هذين الموضعين المنبه عليهما لا يصفو له ما حكاه من الإجماع مع الأعذار، لأن ما زاد على الخمس صلوات قد حكي فيه خلاف شاذ.
وأما استدلالهم الثاني بإحالة متحدة معينة، فهو أنهم قالوا إن الواجب لا يسوغ تأخيره، وإذا قلتم بحمل الأمر على التراخي أجزتم التأخير، وإنما يجوز التأخير في الندب، وإلا فما الفرق بين الندب والواجب، وهذا جواب القاضي عنه، ما تقدم من إثبات العزم بدلا، فيكون هذا البدل عوضا عن التأخير، فلو جمع بين ترك البدل والمبدل منه، لأثم عنده، وهذا قد قدمناه في صدر المسالة.
وأما أبو المعالي المنكر للعزم، وأن يكون الشرع تعبد به، فإنه هاهنا يصعب عليه الانفصال في العبادة المؤقتة، وأما الأمر المسترسل على سائر العمر فإنه قد حكينا عنه يثبت فيه التأثيم، والتأثيم إذا ثبت فارق الندب، فالمكلف إذا أمر بعبادة جعل سائر عمره وقتا، فكأنه قيل له: إن فعلتها بدارا، أو بعد تراخ فقد امتثلت، وأطلعت، وأخذت بالحزم، ولم تركب ظهر الغرر، ولم تسر على منهج الخطر، فإن لم تفعل حتى مت فقد حاق بك ما كنت مخاطرا فيه من استحقاق العقاب، فهو مخوف بسبب هذا التكليف، مروع أن يموت قبل الفعل فيستحق العذاب، والشرع محصوله في مثل هذه تهاويل، وتخاويف مفزعة للنفوس حتى تسهل على النفوس إذا لاحظتها مشاق العبادات.
وأما فلو ترك عبادة قد ضاق وقتها وتعينت كصلاة الصبح عند طلوع الشمس فإنه لا يوقن بعذابه عليها، بل يرجو عفو الله سبحانه، ولكنه مع رجائه خائف منه، فكذلك الحج إذا قلنا إنه على التراخي فإن الإنسان خائف من الله سبحانه أن يعذبه عليها إن مات ولم يحج.
إلى هذا أشار أبو المعالي، ولكن عندي بين الخوفين بون بعيد، هذا التارك لأمر مضيق، قد صار عرضه العذاب، واستحق النكال، وأن ما يرجو أن يرتفع عنه واقع،