وارتفاعه عند بيد غيره، وأما هو فلا قدرة له على رفعه، وهذا الذي يؤمل الحج لم يستحق عذابا، فيرجو اندفاعه، وهذه المخالفة أيضًا بيده لإزالتها بأن يحج فلا يخاف والآخر لا يمكنه إزالة خوفه، نعم تارك الحج إذا مات صار كالحي التارك لعبادة مضيقة، في كونهما جميعا استحقا العذاب، ولكن عفو الله سبحانه مجوز فيهما جميعا.
وأما العبادة المؤقتة فإن أبا المعالي لما أحس بلزوم المعارضة وأنه إذا فارق القاضي في إثبات العزم لا حيلة له فيها إلا أحد أمرين: إما إثبات التأثيم، كما قاله شذوذ من الفقهاء، وصرحوا بأن من مات وسط وقت الصلاة، ولم يصل فإنه آثم.
وهذا الذي قالوه لا يلتفت إليه، لأنه مذهب مستنكر عند المسلمين، فهؤلاء لا تلزمهم المعارضة، لأن إثباتهم التأثيم يلحق هذا الفعل بحقائق الواجبات، وإما تسليم المعارضة وإنكار حقيقة الوجوب.
وقد زاحم أبو المعالي نفسه حتى اضطر إلى ركوب هذا، والخروج عن مذهب أصحابه إلى مذهب أبي حنيفة القائل بأن الصلاة إنما يتحقق وجوبها آخر الوقت المضيق، وأما قبل ذلك فإنها نائبة مناب الواجب وكان أول الوقت، ووسطه ظرفا ليعلم المكلف أن الإيقاع فيهما يغنيه عن الواجب الحق، وأما الواجب الحق فالإيقاع (ص ٨٣) آخر الوقت.
ولما كان أبو المعالي من المطلعين على أسرار الفقه والطرق الفقهية، باح بأنه خالف طريقهم في هذا، لأنهم يقولون إن العبادة إنما تقدم قبل وجوبها فتجزئ إذا كانت عبادة مالية، مثل الزكاة، وأما البدنية مثل الصلاة فلا. فقال أبو المعالي البدنية كالمالية في هذا على أنه إن تفطن متفطن إلى انتفاء المآثم في حق من مات وسط الوقت، ولم يصل فهذا لم يأت بالفعل الذي هو الصلاة، ولا بالبدل الذي هو العزم، ولا إثم، فكيف يتصور وجوب الصلاة هاهنا؟ فأشار إلى أن لا حيلة في هذا إلا الرجوع إلى أصل أبي حنيفة في أن الصلاة إنما تجب بآخر الوقت. فهذه طرق الاستدلال العقلية، ذكرنا ما لهم فيها، وما عليهم.
وأما اللغوية فإنهم يقولون: من تواني عن امتثال أمر الآمر حسن لومه، وتوبيخه، لاسيما في الأمر إذا صدر ممن له حق ويخاف سطوته، ويعظم جلاله، فإن هذا يطابق أهل اللسان، والعقلاء على البدار إلى أوامره، من أن يعد المتواني مستخفا بالأمر أو مجتريا عليه، وهذا يقتضي حمل الأوامر على الفور، وهذا لا يسلمه لهم الآخرون، ويزعمون أن ما يبادر إليه من هذا فبحكم قرينة حال اقتضت البدار، أو احتياطا واستظهارا، أو حذارا من سطوة الملك المرهوب.