وأما الظواهر الشرعية فقوله تعالى:(فاستبقوا الخيرات)، وقوله تعالى:(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم).
ولأهل التراخي أن يقولوا: المغفرة لا نسارع إليها، لأن ذلك مما لا يكتسب، والمراد المسارعة إلى فعل ما يتضمنها، كالتوبة، والتوبة على الفور باتفاق، أو يحملوه على ما يقرب من هذا المعنى، لا سيما والقاضي ينكر حمل الأمر على الوجوب بمطلقه، فيطالبهم بإيجاب المسارعة والاستباق، ويقول لهم قد يكون هذا ندبا، ولا ينكر حصول الفضل في المسابقة إلى الخيرات للسلامة من الخطر، أو الخروج من الخلاف الذي قدمناه في حمل الأوامر على الفور.
وأما القياس فإنهم يقبسون الأوامر على النواهي، وهذا قد تقدم كلامنا عليه مذهبا وفرقا، أما المذهب فقد حكينا ما قاله الأذري، فالأذري غير مسلم للأصل المقيس عليه، وأما من سواه فقد ذكرنا أن النهي نفي، والنفي يشعر بالاستيعاب، والاستيعاب يشعر بالمنع من التراخي، وذكرنا فروعا كثيرة، أنت قد تصرف منها ما تصرفه من هنالك إلى هنا، وقاسوا أيضا الفعل على الاعتقاد، فقالوا كما يجب المبادرة إلى اعتقاد الوجوب، وإلى العزم على الفعل، فكذلك نفس الفعل تجب المبادرة إليه.
وقد قدمنا نحن الجواب عن سبب الاعتقاد، وأن ذلك ينتجه التصديق بالله ورسله، وهذا لا يصح التأخير فيه، بخلاف الفعل.
وأما العزم فإنما يتصور إثباته معجلا مع تسليم تأخير الفعل، وتأخير الفعل هو مطلوبنا، وأما إذا وجب الفور استحال تصور العزم، فلا يستدل على صحة مذهب بأمر ينافي ذلك المذهب، وقاسوا أيضا على أحكام شرعية وهي الطلاق والبياعات، فإن الطلاق يتعجل حكمه، وكذلك البيع، وهذا يقابلون فيه بعكسه، من الأحكام الشرعية، فإن الكفارات يجوز تأخيرها، فليس القياس على البيع أولى من القياس على الكفارة. هذا والقياس في مثل هذا لا مدخل له، لأنا إنما نتكلم على حقائق لغوية، وهذه حقائق شرعية.
وأما أصحاب التراخي فإن النكتة التي يعولون عليها أن الأمر الذي يقتضي امتثال الفعل، وإيقاعه لا أكثر من ذلك، فإثبات زمن معين للإيقاع لا يتضمنه الأمر، ولا يشعر به، وإنما يشعر بالزمان من غير جهة اللفظ، وهو العلم بافتقارنا إلى محال زمانية ومكانية، فإنما يثبت ما تمس الحاجة إليه في الفعل وهو زمان ما، ومكان ما وإذا أثبتنا هذه المحال على هذه الصفة ثبت أن إيقاع الفعل في سائر الأزمنة مبادرة إليها، ومؤخرا مطابق للأمر،