وقد اتفق على هذا في المكان، وأنه لا يتعين، فليكن الزمن كذلك، ولا معنى لقولهم إن المكان يتعين إذا قلنا بوجوب البدار، لأن التأخير عن المكان الذي سمع فيه الخطاب إلى مكان [آخر] تأخير للزمن، وقد فرضنا أن الزمان لا يصح تأخيره، فقد تحقق أن المكان إنما يتعين تبعا لتعين الزمن عندهم، لامتناع خروجه عن المكان الذي سمع فيه الخطاب إلى مكان آخر من غير قطع زمان ثان.
ومما يؤكد تساوي الأوقات في كونها محلا للإيقاع، أن الفعل يلزمه لوازم لا تنحصر كالصحو، والغيم، والريح القوية أو الضعيفة، والمكان المشرف أو المنخفض، ثم لا أحد يقول يجب استفسار الآمر عن حال من هذه الأحوال دون حال، فكذلك الزمن.
وقد أجيب عن هذا بأن هذه أمور يعلم قطعا أن لا (ص ٨٤) غرض فيها لأحد من الآمرين، ولا يلتفت إليها أحد من المخاطبين، ولا تمر على بال آمر، أو مأمور وتعجل الفعل المأمور به أو تأخيره من الأغراض الصحيحة التي قع فيها الآمرون منا، فيحسن الالتفات إليها، وسؤال الآمر عنها.
وهذا منه نشأ مذهب أصحاب الوقف، لأنهم يرون أن من الأوامر ما ينبغي فيها الآمر التعجيل، ومنها ما ينبغي فيهما التأخير، حتى يحسن استفهامه عن قصده، وإذا حسن استفهامه اقتضى ذلك احتمال الأمر للمعنيين، وإذا احتمل، اقتضى احتماله الوقف، إذا لا سبيل إلى القطع على أحد المحتملين دون الآخر إلا بدليل.
وكان هذا يشير إلى طريقة أصحاب الوقف حتى في الزمن الأول، والآخرون من الواقفية لا ينفون في الزمن الأول، بل يقطعون على كون الفعل الموقع فيه امتثالا مجزيا، ومخرجا من عهدة الأمر، وإنما يقفون في اللوم والتاثيم إذا أخر الفعل إلى الزمن الثاني، فما بعده، حذارا أن يكون الآمر أراد التعجيل فخولف.
وأما إرادته التأخير حتى يكون التعجيل عنده منعوتا مخالفا لغرضه وأمره، فيرون ذلك خروجا عن المتعارف عند أهل اللسان، وعن المعتاد عند سائر الآمرين. وكأن الآمر منا إما أن يكون محتفلا بما أمر به، مهتما به، متشوقا إليه، ينتفع بتعجيله، ويتضرر بتأخيره، فهذا لا يشك في أن التعجيل موافق له وإما إن يكون الأمر مما [لا] يهمه، ولا يحتفل به، ولا يتضرر بتأخيره، فهذا يعلم أن تعجيله ليس بمخالفة له، ولا عصيان لأمره، فقد حصل كون