المحدثين لا كبير جدوى في تشاغل الفقيه بها، وأما أمر الله سبحانه فقد اشتهر من مذاهب الأشعرية وأهل السنة أن كلام الله سبحانه قديم أزلي صفة (...). (ص ٨٨).
النظر بحيث يتصور قصد الناهي إلى الفعل المأمور به، وجعل هذا الوجه المنهي عنه خاصية من خواصه، فإنه يتصور القول بمنع الإجزاء والاعتداد بالفعل، لأن الموقع وقد تعرض فيه للصفة المقصودة بالنهي المختص بالفعل يصير الواقع كالعدم في كونه غير امتثال للأمر، فتبقى المطالبة بالأمر على ما كانت عليه، فيخرج من هذا منع الإجزاء.
فأما إذا كان النهي لا بمعنى يرجع إلى الفعل المأمور به، ولا هو مقصود فيه، فلا يتصور منعه للإجزاء من هذه الجهة، لأنه في حكم الفعل الموقع موافقا للأمر، من سائر جهاته كما تقدم.
وهذا التفصيل طريقة أبي المعالي في اعتبار وحصول الإجزاء أو عدمه، وأما اختياره في أصل المسألة فإن المختار عنده أن الأمر لا يتناول المكروه كما قدمناه، من تناقض الجمع بين حقيقة الأمر بالإيقاع والكف في حالة واحدة. وقد أغلظ القول في هذا الباب على أئمة الشافعية فوق الحاجة في مسألة تعد من مثل هذا الباب، فذكر أن الاستدلال على وجوب الترتيب في الوضوء بأن الوضوء المنكس مكروه، والمكروه لا يتناوله الأمر، فيبقى الأمر بالطهارة لم يمتثل، فيطالب المكلف به، وهذا معنى قولنا: تعاد الطهارة المنكسة.
وزعم أن هذا استدلال على إيجاب الشيء يقول المخالف فيه: إنه مكروه عندي، فليس قول المالكية: إن الوضوء المنكس مكروه يعرف منه أن الصحيح ما قاله الشافعي من [أن] الوضوء ترتيبه واجب، ورأى أن هذا الاستدلال من فن العبث، وقد أسرف في النكير على أشياخه المستدلين. وهذا إن أوردوه إيراد مناظرة للمالكي، فلا يحسن إنكاره بحسب ما أنكره أبو المعالي، وأكثر المناظرات يسلك فيها هذه المسالك، فيقول الفقيه للفقيه: قلت كذا وكذا، فيلزم عليه كذا وكذا، وهذا اللازم لا يصح إلزامه إلا على أصلي لا على أصلك، فدل على أن أصلي هو الصحيح. ولعل هذا المراد بهذا الإيراد، فيقول الشافعي من قال من أصحابنا المالكية: إن الصلاة بالوضوء المنكس تعاد أبدا، قد سلم من الشافعي من قال من أصحابنا المالكية: إن الصلاة بالوضوء المنكس تعاد أبدا، قد سلم من خالفنا أن الوضوء المنكس مكروه، فيلزم عليه أن يكون موقفه لا يعتد به من حيث ما يبقى عليه من المطالبة بالأمر كما قدمنا بيانه، والتزام أنه لا يعتد به إنما على أصل الموجب