بالحركة والسكون معا، ولا يصح أن يكون مكروها ولا مباحا، لأن المكروه والمباح لا إثم فيهما، وإذا كان السكون لا إثم فيه إذا فعله، وقد علم أن ترك الحركة هو نس السكون، والواجب ما في تركه العقاب اقتضى ذلك خروج الحركة عند حكم الوجوب، وقد فرضنا أنها واجبة. فقد استحالت هذه الأحكام الأربعة، فلم يبق إلا الحكم الخامس وهو التحريم، وهذا هو المطلوب في الفقه، وهو معرفة ما يحل وما يحرم إلى غير ذلك من الأحكام، فإذا ثبت تحريم الضد، فالمحرم منهي عنه بلا خوف، فقد ثبت النهي عن ضد الفعل المأمور به، وهذا هو المطلوب المقصود في الفقه.
وإنما يبقى النظر في الجهة الثانية، وهي طريقة هذا التحريم والنهي؛ هل هي نفس الأمر بالفعل، أو متضمن الأمر، أو ليست هي واحد من هذين؟ فنعود إلى تحقيق القول في هذه الجهة الثانية فنقول:
تقرر عند العقلاء اختلاف مواقع الأفعال في القصود، وكذلك يختلف عندهم أحكام الأوامر والنواهي في القصود، فمن خرج من داره قاصدا إلى غرض هو غاية فعله، فهو بخلاف من عرض له في طريق غرض قضاه، وكذلك من أمر عبده بفعل أو نهاه عن فعل تصريحا، فهو بخلاف ما تتضمنه أوامره ونواهيه من الاتباع التي هي غير مقصودة، ألا ترى الإنسان مأمور بالحج، ولا يتم الحج إلا بقطع مسافة إليه، فقطع تلك المسافة مأمور به وواجب بإجماع الأمة، لأنه لا يتوصل إلى الواجب المقصود إلا به، ولكنه مع الكل عليه مخالف لوجوب الحج في نفسه، لأن الحج هو المقصود، وقطع المسافة إليه ليس بمقصود في التكليف، وإنما هو بمقتضى الجبلة والخلقة التي لا يمكن معها الحج إلا بقطع مسافات، ولو تصور حجم بغير قطع مسافة لسقط هذا الواجب الذي هو قطع المسافة.
فإذا تقرر هذا قلنا: إن من قال: إن هذا التحريم والنهي عن الضد ليس بمنهي عنه، ولا يقتضي الأمر بالفعل المنهي عنه، وأنكر ذلك أصلا فإنه قد أخطأ، لما قدمناه مما أنتجته تلك المقدمات.
وأما من قال: إنه منهي عنه ويجري ذلك مجرى القصد إلى المنهي عنه فليس بمصيب، لما قدمناه أيضا من أن القصد امتثال الفعل المأمور به، ولكنه لما لم يكن امتثاله إلا مع مجانبة ضده، وما لا يمكن فعل الواجب إلا به فهو واجب، صار من هذه الجهة واجبا بسبب حكم الجبلة والخليقة، لا بحكم القصد إلى النهي عنه.
فإلى هذا المضيق تنحصر هذه المذاهب المتقدمة، وعلى هذا التحقيق يجب أن تعرض، فما وافقه منها فهو الحق، ولكن مع هذا استدرك أبو المعالي على الجماعة استدراكا ظن أنهم أغفلوه، وأشار إلى طريقة لا تتصور إلا في أوامر المحدثين، وأوامر