المعالي، ومنهم من يثبتهما جميعا وهو القاضي في أحد قوليه، ومنهم من يثني المتعلق به ويوحد المتعلق وهم جماهير أئمتنا. وهذا كله واضح في تصور المذاهب فيه في الأمر على جهة الإيجاب.
وأما الأمر على جهة الندب والاستحباب فإن القاضي ابن الطيب أجراه مجرى الأمر على جهة الندب والاستحباب نهيا عن الضد على جهة التنزيه أيضا، بل قصارى ما نحن فيه على الأمر على جهة الإيجاب.
فهذا إيضاح المذاهب في هذا الفصل (ص ٨٧) وتصويرها على أحسن بيان.
وأما طريق الذاهبين إليها فنحن نكشف الغطاء عنها حتى يهون على النظار ما وقع الاختلاف فيها، فاعلم أن المطلوب من أصول الفقه الانتفاع بها في الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية، وما لا منفعة فيه في الفقه، فلا معنى لعده من أصوله.
وإذا تقرر هذا قلنا: النظر في هذه المسألة من وجهين؛ أحدهما: تعيين حكم الضد، والثاني: تعيين طريق الحكم. فأما نفس الحكم فإنه يستعمله فيه طريق التقسيم، وتقديم المقدمات فنقول:
قد علمتم أن الأحكام الشرعية خمسة لا سادس لها: الإيجاب، الندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة، فهذه مقدمة لا شك فيها. ومقدمة ثانية وهي أن المحل لا يصح أن يخلو من الشيء وضده. ومقدمة ثالثة وهي أن نفس خلوه من الشيء وتعريه عنه هو نفس حلول الآخر فيه وقبول له، وليس بين هذين واسطة ولا معنى معقول. ومقدمة رابعة وهي أن الثواب والعقاب إنما يتعلق بما يخترع عند قوم، أو يكتسب عند آخرين، وأما الانتفاء المحض فلا يكتسب ولا يتعلق به ثواب ولا عقاب. فإذا عرضت هذه المسألة على هذه المقدمات علمت حكمها على التعيين، وذلك أنه إذا قيل للإنسان: تحرك وقد علم أنه إذا لم يتحرك فلابد أن يسكن لاستحالة خلو المكان عن الصفة وضدها، وعلم أن ليس تحت قولنا: إنه لم يتحرك أكثر من وجود السكون به، وأن لو أمكن ألا يوجد السكون به لم يمكن أن يعذب على انتفاء الحركة، لأن الانتفاء المحض لا يتعلق به في الشرع ثواب ولا عقاب، فإذا أوجب الله عليه التحرك، وقد تقررت هذه المقدمات، فإن السكون إما أن يقال: إنه واجب، وهذا لا يصح، لأن فيه تكليف المحال، وهو الجمع بين الحركة والسكون معا. أو يقال: إنه مندوب إليه، وهذا لا يصح لهذا المعنى أيضا، لأن فيه الأمر