الاختيار، ومن تتبع المسائل التي يشير إليها ما نبهنا عليه من هذا الأصل ألفي منها ما لا ينحصر.
وقد ذهب قوم إلى أن هذه الأرض التي دخلها تعديا لو كان بها زرع، لكان هذا الداخل مأمورا بالخروج من هذه الأرض من غير إفاسد للزرع، وهذا لا معنى له لأن اجتناب الإفساد الذي لابد منه عند التخطي لا يمكنه، وتكليف ما لا يمكن محال، فلا معنى لظن هؤلاء أن هذا الاشتراط يخرجهم عن إنكار ما أنكرنا على ابن شمر، ولكنا نوافقهم على الجملة، فنأمر الخارج بأن يخطو في الخروج خطوات هي غاية ما يمكن في ترك الإفساد، وتقليل المسافة في الخروج، لأن الزيادة على ذلك تعد لم تدع ضرورة إليه، وما سواه أمر به لما دعت الضرورة إليه في التنصل من هذه المظلمة.
وقد صور في هذا مسائل اللازم للأصولي من الجواب عنها هو قدر ما أوردناه من بيان ما يصح تكليفه وما لا يصح، وأما تعيين ما يلزم من الجائزات التي يصح تكليفها، فذلك فقه محض، فليستفت عنه الفقيه، فما عينه منها تعين في حق مستفتيه، إذا كان عاميا، مثل ما يقال في طريح على صدر جريح بين طرحي مجاريح، إن لبث على صدر هذا قتله، وإن زايله متنقلا عنه قتل من بجانبه، فلا ينفك من قتل مسلم مهما سكن أو تحرك.
وقد رأى أبو المعالي أن الحكم في هذه المسألة فتواه بانقطاع التكليف عنه، إذ لا ينفك من قتل إنسان، سكن أو تحرك، وتكليفه التعري من الحركة والسكون، تكليف التعري عن الضدين، وقد بينا ما فيه، وتعيين أحدهما للقتل لا سبيل إليه مع تساوي الشخصين في وجوب صيانة الدم، فإذا امتنع القول بأن المقام والزوال عليه حرام، وامتنع القول بأن أحدهما حرام دون صاحبه، مع تساويهما لم يبق إلا انقطاع التكليف عن هذا الذي لا يجد سبيلا إلى التخلص من هذين الممنوعين.
ثم يفترق الجواب بعد ارتفاع التكليف في هذا الطريح، فإن كان طرح نفسه تعديا فقد باء بالإثم، واستحث عليه حكم المعصية مهما سكن أو انتقل، لأنه هو الذي ورط نفسه في هذا الفعل الذي وصفناه بأنه ارتفع عنه التكليف فيه. وإن قذف به على صدر هذا الجريح بغير اختياره، ارتفع عنه حكم العدوان والمعصية، كما ارتفع عنه التكليف. وهذا الذي أفتى به أبو المعالي في هذه الصورة يبعد عن مجاري المفتين، ولكن بسط طرائفهم في مثل هذا إنما يليق بكتب الفقه.