المانع من تقدمة الإحرام على أشهر الحج، فالمحذوف هاهنا يحتمل الأمرين، ويتردد بين المذهبين، ولا يدعى عمومه لأنه محذوف، ولا يدعى العموم إلا في الصيغ، والمحذوف ليس بصيغة.
ومن الناس من لم يرد هذا مجملا، وصار فيه إلى دعوى العموم في هذا المحذوف، كما يدعى في الصيغ المنطوق بها، فيحمله على الوقت وعلى الإحرام جميعا،. ومنهم من يرى في مثل هذا أنه لا يحمل على العموم لكونه محذوفا، ولكن يحمل على موضع الخلاف ليستفاد بهذا الحمل تصحيح مذهب على مذهب، فيحمل هؤلاء هذه الآية على أن المراد بها إحرام الحج، لأنه المختلف فيه، لا أفعال الحج كعرفة وغيرها، فإن ذلك متفق عليه أنه لا يصح إلا في أشهر الحج.
فهذا القول في معاني هذه الصيغ إذا كانت إثباتا، وأما إذا كانت نفيا كقوله:"لا عمل إلا بنية"، وقوله:"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، وقوله:"لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل"، و"لا نكاح إلى بولي"، و"لا أحل المسجد لجنب، ولا لحائض"، فإن العلماء مختلفون في هذا الأصل. وأما مثال القطعي فكقوله:(لا إكراه في الدين)، وأما مثال الظني فكقوله:"لا نكاح إلى بولي".
والغرض من هذا الأصل الكلام على هذا النوع، وألفاظ النفي للذات الواقعة المتعلق بها حكمان أو أحكام، مثل قوله:"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، فمعلوم قطعا أن جار المسجد قد يصلي في غير المسجد، ومعلوم قطعا أن النبي عليه السلام، لا يكذب فيخبر عن (ص ٩٢) واقع أنه لم يقع، فيخرج من هذا أن النبي عليه السلام لم يرد ظاهر ما اقتضاه النطق، بل أراد غيره. فهاهنا اختلف الأصوليون على مذهبين:
فمنهم من زعم أن هذا مجمل، واختلف هؤلاء على مذهبين في طريق الإجمال، فمنهم من صور الإجمال من الجهة التي أشرنا إليها، وهو كون اللفظ لم يرد به نفي وقع الفعل، وإنما أريد به أمر آخر لم يذكر، والذي أريد لا تعلم حقيقة معناه، فصار من هذه الجهة مجملا. ومنهم من صار إلى أن هذا اللفظ لم يوضع لنفي الذات، ولم يتوقع أن يكون