فأما الوجه الأول، فإن معنى العموم في اللغة: الشمول، تقول العرب: شملهم الأمر بمعنى عمهم، ويقولون: مطر عام، وعطاء عام، وعم السلطان الرعية بالعدل، ومنه سميت العامة، لأنهم أكثر الناس، وكالمشتملين بكثرتهم على الخواص.
ومعنى الخصوص: الإفراد ومنه قولهم: خص السلطان فلانا بالولاية، وفلانا بالعطاء، ومنه سميت الخاصة، لأنهم تفردوا وتميزوا عن العوام، بما هم عليه من فضل.
وأما حد العموم عند أهل الأصول فإن الأئمة من المتكلمين أشاروا في حده إلى أنه: القول المشتمل على مسميين فصاعدا، والتثنية عندهم عموم لما تصور فيها من معنى الجمع والضم والشمول الذي لا يتصور في الواحد.
وقد زاد بعض متأخريهم في هذا الحد: على وجه واحد، ورأى أن قولنا: ضرب زيد عمرا متعلق باثنين، ومع هذا لا يسمى عموما، لأنه لم يتعلق بذلك من جهة واحدة. وهذا التحرز قد يستغنى عنه عندي، لأنه إن أراد زيدا وعمرا، فهما اسمان خاصان، وليس بعمومين كما قال، ولكن كلامنا في اللفظة. وإن أراد لفظة "ضرب" لكونها مشعرة بضارب ومضروب، فإشعارها بذلك راجع إلى حكم عقلي، وهو ما تقدم من العلم باستحالة وجود ضرب لا من ضارب ولا مضروب، فالاقتصار على ما قاله الأولون [كاف] ومغن عن قول هذا: العموم هو القول المشتمل على مسميين فصاعدا من وجه واحد، لأجل ما قدمناه من الاعتذار عن الأولين.
وأشار بعض الأصوليين إلى حده بأنه القول المستغرق لجميع ما بني على إفادته. ولو أن واحد من الواقفية حد بهذا الحد لقال هاهنا: القول المستغرق لجميع ما صلح لإفادته، وكان الحد الذي حكيناه عن بعض أئمة المتكلمين هو اللائق على مذهبهم في القول بالوقف، وهذا الحد الثاني هو اللائق بأصل الفقهاء القائلين بأن الصيغة تستوعب بمطلقها جميع ما بنيت لإفادته.
وأما الخصوص فهو القول المتعلق بمسمى يتناوله مع غيره اسم واحد، لأن قولنا: مؤمن لفظ خاص، لتناوله الشخص المشار إليه، مع كونه ينطلق عليه وعلى غيره هذه التسمية، ويجتمعان في أن يعبر عنهما بعبارة واحدة.
وقد أنكر المتكلمون ما قالوه من كون الاثنين فصاعدا من غير استيعاب المسميات عموما، لأجل أن هذا [يؤدي] إلى جمع النقيضين، فيكون الخطاب عاما من حيث اشتمل على اثنين، خاصا من حيث قصر عن الاستيعاب.
وجوابهم عن هذا أن المنكر الجمع بين كون الخطاب عاما خاصا من جهة واحدة، وفي محل واحد، وأما [من] وجهين مختلفين فلا ينكر، كما لا ينكر وجود السواد والبياض