في محلين اثنين، وإن أنكر وجودهما في محل واحد، فالخطاب الذي اعترضوا به عام من جهة تناوله اثنين أو عددا محصورا لما في ذلك من معنى الشمول، خاص من جهة أنه لم يتناول بقية المسميات، وحصول التناول وجه، وعدم التناول وجه آخر.
وما الوجه الثاني وهو تصور معنى العموم والخصوص في الأقوال النفسية، فإن المشهور من مذاهب سائر أئمة الأشعرية تصور ذلك في الأقوال النفسية، كما يتصور في الأقوال النفسية الأمر والنهي.
وأنكر أبو المعالي في كتابه كون ذلك متضحا إيضاحه في الأمر والنهي، وأشار إلى أنه مخالف للجماعة فيما قالوه، وصرف عموم النفس إلى علوم فيها، لكون المعلومات على جهات دون جهات، فكأن عنده القائل:"اقتلوا المشركين" يحس في نفسه اقتضاء للقتل، وهذا الاقتضاء لا ينكره عاقل، ولا يخالف في النفس في إحساسه أحد، وهذا الاقتضاء هو المسمى أمرا، ولا يمكن صرف هذا الاقتضاء إلى إرادة وقوع المأمور به، لأنا قد قدمنا أن تجيز أن يأمر الآمر بما لا يريد، فكراهة وقوع المأمور به لا تنافي الأمر به، وأما كون قوله:"اقتلوا المشركين" مستوعبة لجميعهم، فإنما ذلك راجع إلى إرادة القائل في نفسه من الاستيعاب والعلم المحسوس (ص ١١١) في هذا إنما يرجع إلى هذا المعنى، وهو كون هذه اللفظة واقعة على وجه، وهو إرادة الاستيعاب بها، وأشار أبو المعالي إلى طريقة ينتصر بها الأئمة، وهي كون الجمع معنى معقولا، والإنسان يجد في نفسه تصور الجمع والعلم به، وكل علم في النفس لابد أن يقارنه خبر عنه موجود بالنفس أيضا، وهذا يقتضي إثبات قول نفسي، ومن هاهنا خرج أبو المعالي إلى تلك الرموز التي شرحنا فيها أقوال الفلاسفة، وبينا نقض ما قالوه، وأنكرنا عليه مخالفة الجماعة، والرمز [إلى] التقصير بهم وإضافة الاختباط إليهم.
وقد يستغني عن هذا كله بأن يقول: إنما أنكرت وجود قول في النفس يتضمن معنى الاستيعاب بنفسه وحققته، وأما إثبات قول في النفس هو خبر عن معنى العموم فليس هو المراد المنازع فيه، وقوله:(فاقتلوا المشركين) ليس ذكر المشركين هاهنا خبرا، وإذ لم يكن خبرا لم يتقرر فيه معنى العموم كما قدمنا، وهذا ما يفتقر تحقيق القول فيه، وتصوير عموم النفوس والانفصال عن طريق التشكك فيه [إلى] إطالة وإطناب يقطع التشاغل به عن مقصود الكتاب.
وأما الوجه الثالث وهو تصور العموم في الأفعال فإن الأئمة مختلفون في قولهم، عطاء