للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عام، هل ذكر العموم هنا مجاز أم حقيقة؟

فالأكثر من أئمة المتكلمين أنه مجاز، لكونه ما يتناوله كل إنسان من العطاء مختصا به، وهو غير ما تناوله صاحبه، بخلاف قوله المشركين، فإن هذه اللفظة تتناول كل مشرك تناولا واحدا، فهي لفظة واحدة اشتملت على آحاد، ونفس تناول العطاء لا اشتمال فيه، فإيقاع لفظ العموم عليه مجاز، لكن أن نتعرض إلى لفظة العطاء فإنها تتناول الجميع تناولا واحدا، ويصح دعوى العموم فيها.

ومن الأئمة من أشار إلى انطلاق العموم في الأفعال على جهة الحقيقة، فهذه مشاحة لا كبير طائل تحتها، وانصراف العموم إلى التسمية تصور وإلى نفس الفعل لم يتصور على حسب ما بيناه.

وأما الوجه الرابع وهو تصوره في الأحكام حتى يقال: قطع يد السارق عام، فإن القاضي أنكره، وأبو المعالي أثبته، وقد كنا قدمنا فيما مضى معنى الحكم، وأنه عندنا ينصرف إلى قول الله سبحانه، وعند غيرنا إلى أوصاف ترجع إلى الذوات. ولا شك أنه إذا قيل بانصرافه إلى الذوات فإنه لا ينصرف فيه معنى العموم، ولما قدمناه في الأفعال، لأن وصف كل ذات، ووصف ذات أخرى [كل منهما مختص بصاحبه]، وإن قلنا: إن ذلك يرجع إلى قول الله سبحانه، فقول الله سبحانه يشتمل على كل سارق، فنفس القطع أفعال، والأفعال لا عموم فيها على الحقيقة، وحكمها إن صرف إلى ذوات القطع، فإن ذلك أيضا لا يتحقق فيه العموم، وإن صرف إلى قول الله سبحانه، فذلك قد بينا حكمه، ولعل القاضي إنما نفي من ذلك ما بيناه.

وأما الوجه الخامس وهو تصور العموم في المعاني فإنا قد قدمنا الإشارة إليه، حيث قلنا: إن دعوى العموم في المحذوفات فيه خلاف، ومثلناه: (الحد أشهر معلومات)، وذكرنا أنه يحتمل أن نضمر أوقات الحج، أو أفعال الحج، وأن قوما ادعوا العموم في هذا، وقوما أنكروه، لأن العموم إنما يتصور في الألفاظ، وهذه المحذوفات ليست بألفاظ، فيتخيل فيها شمول أو اختصاص.

وتخيل الآخرون العموم لأن معاني الكلام مستفادة من ألفاظه، فكأن عموم المحذوفات مستفاد من ناحية الألفاظ المسند إليها الحذف، ومن هذا أيضا قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة)، فإن نفس الميتة لا تحرم، وإنما تحرم أفعالنا فيها، وأفعالنا فيها شتى، من بيع، وأكل، واستصباح، وطلاء سفن، إلى غير ذلك مما في معناه، فهل يدعى

<<  <   >  >>