وذكر سيبويه أن جمع السلامة من أبنية جمع القلة، واستعظم أبو المعالي مخالفته في مثل هذا، أو مخالفة الفقهاء القائلين بالعموم في مثل هذا عنده مطبقون على حمله على الاستغراق. وقد زل أبو المعالي فيما حكي هاهنا من إطباق المعممين على القول بالعموم في مثل هذا، وقد تقدم ذكرنا للخلاف بينهم فيه.
وذكر الإسفراييني إلى حمل الجمع المعرف على الخصوص، وحاول أبو المعالي [أن يتوسط] بين مذهب النحاة ومذاهب الأصوليين، فحمل كلام سيبويه على أنه إنما أراد به جمع السلامة الذي لم يعرف، وذكر أبو المعالي أن الاسم العلم إنما تعرف لاتحاده من حيث يعتقد أنه مفرد في قصد المسمى، حتى إذا ثني وجمع تعدد، وزال معنى الاتحاد فتنكر، وإذا تنكر لم يقتض الاستيعاب، ولا يقتضيه جمع من الجموع، لما ذكرناه، ومصداق هذا قوله تعالى:(ما لنا لا نرى رجالا)، فهذا منكر لم يقتض الاستيعاب، والمعرف يقضتيه، قال تعالى:(إن الأبرار لفي نعيم)، فلا جمع عنده يقتضي الاستغراق بوضعه، إنما يقتضيه الألف واللام المعرفان الداخلان على الجمع، وذكر أبو المعالي هاهنا أن الجمع من غير تقدير تعريف لأقل الجمع، فإذا عرف ففيه الخلاف، وهذا يوهم أن لا خلاف في المنكر، وقد قدمنا نحن ذكر الخلاف فيه.
وأما النكرة في سياق النفي فإنها تقتضي الاستيعاب، لأن النكرة ليست مختصة بمعين في نفسها، كقولك: رأيت رجلا، والنفي أيضا لا اختصاص له، فإذا انضم النفي الذي لا اختصاص له إلى التنكير الذي لا يختص بمعين اقتضى ذلك العموم.
وقد قيل: إن النكرة في الإثبات تخص، وأنكر أبو المعالي إطلاق هذا القول، وقال: إذا قال القائل: من يأتني بمال أكرمه، فإن المال غير خاص، والسبب في ذلك أن الشرط لا اختصاص له كما قدمناه، فالنكرة الواقعة بعده محمولة عليه، وحكم الشرط في التعميم منبسط على النكرة، ولو اختص المال لاختص الشرط، وذكر أن دلالة الاستيعاب في النكرة المنفية ليست بنص، بل هي ظاهر، فإذا قال: ما رأيت رجلا، كان الظاهر نفي الرؤية عن جنس الرجال، لكنه يتطرق إليه تأويل، ذكره سيبويه، إذ قد يريد: ما رأيت رجلا واحدا، بل رأيت رجالا، حتى إذا أدخل فيه حرف "من" فقال: ما جاءني من رجل، ارتفع ذلك التأويل، وخرج الكلام عن تطرق الاحتمال إليه.