للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا هذه الصيغ، فدل ذلك على تمسكهم بالعمومات.

وهكذا احتج ابن عمر على ابن الزبير في إسقاط عدد الرضعات بقوله تعالى: (وأمهاتكم التي أرضعنكم)، وهكذا احتج بعضهم على ابن عباس بعموم ما ورد من تحريم الربا، واحتج هو بعموم قوله عليه السلام: "لا ربا إلى في النسيئة"، وهكذا احتج عمر على الصديق رضي الله عنهما في منع قتال أهل الردة بقوله عليه السلام: "أمرت أن أقاتل الناس" الحديث، فتعلق فيه بعموم قوله: الناس، وانفصل الصديق رضي الله عنه بقوله: "إلا بحقها"، والزكاة من حقها، فتعلق أيضا بعموم هذا الاستثناء، ولم ينكر أحدهما على الآخر تعلقه بالعموم، ولو كان التعلق به باطلا لما احتاج الصديق إلى هذا الاستنباط الخفي من هذا العموم المستثنى. على أن القصة التي جرت بينهما مشهورة، ولم ينكرها أحد، ولما سمع عمر رضي الله عنه شعر لبيد، إذ بقول:

............................. وكل نعيم لا محالة زائل

استكذبه وناقضه بنعيم أهل الجنة الذي هو باق لا يزول، فلولا حمله الصيغة وهي "كل نعيم" على العموم لما أنكر مقاله، ولما نزل قوله تعالى: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم)، قال ابن الزبعري: أنا إذا أخاصم محمدا، قد عبدت الملائكة والمسيح، أفتراهم حصب جهنم؟، فأنزل الله: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون)، فلولا كونهم يعممون لما قال الزبعري: أنا أخاصم محمدا، ولما أنزل هذا التخصيص الذي أخرج به من العموم من سبقت له من الله الحسنى.

وقد خرج أهل الصحيح أن قوله تعالى: (الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ)، قالت الصحابة: أيُنا لم يظلم نفسه؟ فأنزل الله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم) فلولا اعتقادهم عموم قوله: (بظلم) حتى تخوفوا أن يكون الله سبحانه اشترط في الأمر والهدى أن [لا] يخلط الإيمان بمعصية لما تخوفوا من هذه الآية، حتى نزل ما يشير إلى أن الظلم

<<  <   >  >>