أيضا استدل بحسن الاستفهام، فإن الواقفية تقول: إذا قال: اضرب القوم، حسن أن يقال: فهل يدخل (... ك) حسن أن يقال: فهل نكرم فلانا إذا زارني، ولولا أن اللفظ فيه إشكال ما (....)(ص ١١٥) حسن الاستفهام، ويجيب المعممون عن هذا بأن اللفظ قد يجوز أن يراد به الخصوص، فيكون الاستفهام إنما حسن لدفع هذا المجوز، لا سيما على طريقة من قال: إن إفادة اللفظ العام للاستيعاب إفادة الظواهر، لا إفادة النصوص، وعلى هذه الطريقة يحسن فيه الاستفهام، ما لا يحسن في القول: رأيت حمارا، هل هو النهاق البهيمي، أو البليد الإنساني؟
واستدل بعض المعممين بأن [لفظ]"بعض" يفيد معنى يناقض الاستيعاب، ألا ترى أن بعض المال ليس بكل المال، ونقيض البعض الكل، فليكن الكل مفيدا للاستيعاب حتى تصح هذه المناقضة. وللواقفية أن تجيب بأن المناقضة في الصلاح لا في الإيجاب، فلما كانت "كل" صالحة للاستيعاب، ولفظة "بعض" لا تصلح للاستيعاب، صارت المناقضة بينهما من هذه الجهة. والذي أراه أن جميع ما قدمناه من طرق الاستدلال غير قاطع في تخصيص أحد المذاهب، وإن كان في بعضه إفادة ظنون، ولكن ليس هذا موضع ظن، والتعويل عندي على الاستدلال بالشرع، لأن ما تقدم قد أريناك تقابل الفئتين في بعضه، وتطرق الاحتمال إلى بعضه، ومثل هذا لا يوثق به.
وأما طرق الاستدلال بالشرع فإن الصحابة عليهم السلام قد نقل عنهم في محاجتهم وفتاويهم تمسك بعمومات مطلقات يكثر تعدادها، وبلغت من الكثرة إلى حيث ما صارت كالمتواترة على المعنى، والمحصول، كجود حاتم الذي لا تعرف قطعا قصة من جودة بعينها، ولكنا نعرف من آحاد القصص المنقولة من جهة الآحاد جوده قطعا.
وكذلك ما نحن فيه من تتبع ما أشرنا إليه استلوح من معانيهم، وفهم من مواصيهم تمسكهم بالظواهر، وحمل الصيغ المذكورة على العموم، فمن ذلك اختلافهم في وطء الأختين بملك اليمين، وتعلق بقوله تعالى:(وأن تجمعوا بين الأختين)، لأجل أن هذه لم يفرق الله سبحانه فيها بين أختين حرتين، أو مملوكتين، وتعلق الآخر بقوله تعالى:(أو ما ملكت أيمانكم)، ولم يفرق بين أن يملك أختين أو أجنبيتين، وما وقع من قول بعضهم:"أحلتهما آية وحرمتهما آية"، إشارة منه إلى تعارض هذين العمومين، وليس