للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رائحة، ولكون من كون، ولطعم من طعم، وهذا يجيبون عنه بأنا لا نغير اللفظ الذي يقع به الاكتفاء، فاستغنوا بالإسناد والإضافات في الروائح، فقالوا: رائحة مسك، ورائحة عنبر، وقالوا في الطعوم: طعم رمان وطعم تفاح. والعموم قد أنكر الواقفية صيغة تدل عليه، لا مستندة ولا غير مستندة.

وأما الإشهاد اللغوي فإن روي فيه النقل عن العرب معينا عسر، وإن ادعي ذلك مفهوما عنهم، كما فهم رفع الفاعل، ونصب المفعول، طلب مدعيه بإتيانه، فعدل جمهور المحتجين للعموم عن هذا إلى الاستثناء بألفاظ لغوية، منها: التأكيد، فقالوا: إن الواحد لا يؤكد بلفظ الجمع، فلا يقال: جاء زيد كلهم، وما ذاك إلا لأن الواحد غير مشعر بمعنى الجمع ولا صالح له، كما أن الجمع لا يؤكد بلفظ الواحد، فلا تقول: جاء القوم نفسه، وما ذاك إلا لأن لفظة القوم لا تشعر بالاتحاد، فاقتضى هذا أن يكون التأكيد عاما، والمؤكد فإذا قال: جاء القوم أجمعون أكتعون أبصعون، دل هذا على أن القوم جاء جميعهم، وأن هذا يقضتيه اللفظ قبل أن يؤكد، ولو لم يكن يقتضيه لما صح أن يؤكد بلفظ لا يدل عليه، كما لم يصح أن يؤكد الواحد بلفظ الجمع.

وقلب الواقفية هذا الاستدلال، فقالوا: لولا كون اللفظ محتملا لما احتيج إلى التأكيد، لأن الأول لو اقتضى بنفسه الاستيعاب لاستغنى عن لفظ آخر يدل على الاستيعاب، وانفصلت كل فئة من هؤلاء عما قاله مخالفوها.

فأما المعممون فيقولون: وإن دل اللفظ الأول على العموم فإنه يمكن أن يراد به الخصوص، فيكون التأكيد مزيلا لهذا الاحتمال، رافعا لهذا الإمكان، وتقول الواقفية: إنما حسن التأكيد بالجمع في لفظ الجمع لكون لفظ الجمع صالحا للاستيعاب، بخلاف لفظ الواحد الذي لا يصلح للاستيعاب، فالأولى ترك الاعتماد على هذا لما أريناك من تقابل الفئتين.

وهكذا وقع الاستدلال بالاستثناء، فتقول المعممة: لولا دخول المستثنى في المستثنى منه لما حسن استثناؤه، كما لا يحسن استثناء الحمير من الناس. وتجيب الواقفية عن هذا أيضا بأن الاستثناء إنما وقع لدفع ما يمكن إدخاله في العموم، وإزالة اللبس عن السامع [من] التردد في دخول من استثنى، وهذه فائدة محققة، وفرق بين إفادة رفع الاحتمال أو رفع ما يقع دونه الاستقلال، وإنما لم يجز استثناء الحمير من الناس لكون لفظة "الناس" غير [شاملة للحمير].

<<  <   >  >>