وذكر أبو المعالي أنه نقل عن أبي حنيفة أنه عمم أمورا لا يصير إلى تعميمها شادٍ في الأصول، فقال: إذا قال الراوي: قضي عليه السلام في كذا بكذا، عم القضاء في غير المحمل المنقول. كما روي أنه قضى بالكفارة على المجامع في رمضان، فعم به أبو حنيفة كل إفطار. فإن قال هذا تلقيا من اللفظ فهو غلط، وإن قال قياسا نظر في قياسه.
وقد قال الشافعي في قول الراوي:"إنه عليه السلام قضى في الأموال بالشاهد واليمين"، هذه الجملة تختص بمحلها، واللفظ لا يشعر بالعموم، والأقيسة لا جريان لها في مراتب البينات، فإنها مستندة إلى التعبدات.
وهذا الذي ذكره أبو المعالي (...)(ص ١١٤) بكذا، ذهب المحققون من أئمتنا إلى أنه يحتمل أن يكون أراد: قضي بفعل وقع منه، أو قول. وإن كان بقول، فالقول لا تعرف صيغته، فلا يدعى عموم حتى يوقف على الفظ المنقول، والحكم مترتب على ما يفيده قول الراوي إفادة لا احتمال فيها، ولعلنا نحن أن نبسط الكلام فيما تمثل به أبو المعالي من هذه الأحاديث في كتاب التأويلات.
وأما الوجه السابع وهو سبب الخلاف، فإن مستمسك القوم فيه يحصره الاستدلال بشواهد عقلية، أو شواهد لغوية، أو شواهد شرعية.
فأما الشواهد العقلية فنكتة واحدة، وهي ما تقرر من مقتضى العادات، وذلك أن الإخبار بكليات الأوامر بها، مما تمس الحاجة إليه ويتكرر حدوثه ونزوله، وما تكرر وعمت به البلوى ومست الحاجة إليه، فممتنع في العادة أيضا إضراب سائر العقلاء عنه صفحا، وإعراضهم عنه، وإهماله، فنتيجة هذا إثبات وضع صيغة العموم يعبر بها عنه، وما ذاك إلا الصيغ التي قدمنا تعديدها.
وأجيب عن هذا بأن مسيس الحاجة إلى إفهام المراد لا يغير على العاقل نوعا من الأفهام، وقد يفهم مراده للاستيعاب بقرائن أحوال، وألفاظ مؤكدة على وجه من التأكيد يرفع الاحتمال على حسب ما تقدم بيانه، فإذا أمكن هذا، وصح الاستغناء به لم يتعين إثبات صيغة واحدة للعموم، وهذا بعد أن نسلم أنه لا تمكن الغفلة من العقلاء عن مثل هذا.
وقد نوقض أصحاب هذا الاستدلال بإضراب العرب عن وضع أسماء مميزة لرائحة من