بعضها مجازا، أو بعضها حقيقة، وأضاف هذا المذهب إلى الشافعي، لأنه حمل قوله تعالى:(أو لامستم النساء) على العموم، مع كون الملامسة حقيقة في حس اليد، مجازا في الجماع، وقال قائلون: إنما تحمل على الحقائق كلها، ولا تحمل على الحقائق والمجاز جميعا.
وأنكر القاضي ابن الطيب على الأولين حمله على المجاز والحقيقة، واعتل بأن ذلك يؤدي إلى التناقض والتهافت، لأن الحقيقة هي اللفظة المستعملة على أصل وضعها، والمجاز هو المنقول عن وضعه، وهذان نقيضان لا يصح دعوى العموم فيهما، كما تقدم بيانه فيما سلف.
وأجاب أبو المعالي عن هذا بأن الذي قاله القاضي: إنما هو نظر في اشتقاق لفظة الحقيقة والمجاز، وهذا غير مراد بما نحن فيه.
وأما الحمل على مسميين: الجس والجماع، فذلك ممكن كغيرهما من المسميات، واختار التوقف في هذه اللفظة، لأنها لم توضع مشعرة بالاحتواء على جميع معانيها، لكن إنما اقترنت معها قرينة تدل على [أن] المراد جميع المحامل، ولو كان بعضها مجازا حملت على التعميم، مثل أن يذكر الذاكر محامل العين، فيذكر بعض الحاضرين لفظ العين، ويفسر من حاله أنه أراد بها جميع ما جرى ذكره.
وذكر أبو المعالي قول الشافعي [أن] ترك الاستفصال في حكاية الأحوال مع الاحتمال يتنزل منزلة العموم في المقال، وهذا يمثل بقوله عليه السلام لمن أسلم وتحته عشرة نسوة:"أمسك أربعة وفارق سائرهن"، من غير أن يسأله؛ هل عقد عليهن معا، أو واحدة بعد واحدة. وأشار أبو المعالي إلى أن هذا لا يقتضي العموم، لجواز أن يكون النبي عليه السلام عرف صفة العقد، وكيف وقع، فأجاب عنه كما يجيب المفتي على ما يعرفه من قصد المستفي، وإن كان يفتقر كلامه إلى تفصيل، ولو صح أن صاحب الشرع أطلق جوابه، وهو غير عالم بما عليه حال السائل لجرى جوابه على جميع التفاصيل، لكن إنما يتمسك بالحديث من جهة أخرى، وهي قوله:"أمسك أربعا" ولم يخصص الإمساك بالأوائل عن الأواخر، وقال لآخر قد أسلم على أختين:"اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى".