للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بما اتخذ في كل جسم، وقال سيبويه: سالت الخليل عن قولهم: ما أحسن وجههما قال لي: اثنان جمع.

واحتج أصحاب هذا المذهب أيضًا بقوله تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم وكنا لحكمهم شاهدين)، فجمع في قوله (لحكمهم)، وهكذا أيضا أجابوا عن الاحتجاج بقوله لموسى وهارون: (إنا معكم مستمعون)، أضاف فرعون إلى هذا الخطاب، وكذلك قوله تعالى: (خصمان) بعد قوله: (إذ تسوروا)، أجيب عنه أيضا بأنه تسور مع الملكين غيرهما، وكذلك أجيب عن قوله: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) بأن الطائفة تطلق على الواحد وعلى الآحاد، وهذا المعنى في الجواب يسلك في قوله: (هذان خصمان اختصموا في ربهم)، لأن الخصم ينطلق على الواحد والآحاد.

فهذا الاستدلال كله كما تراه قد تؤول، وقد يمنع تأوله من القطع عليه، واختار أبو المعالي في المسألة طريقة هي التي نبهنا عليها لما ذكرنا فائدة الكلام على المسألة، فرأى أن المسألة مبنية على القول بالعموم، وهو يقول به على صفة ما تقدم بيانه، ولكن قد يخصص في العموم فينظر في المخصص، فما خصص إلى الثلاث قبل على الإطلاق، وإذا كان من جنس ما يخصص به، فإن تعدى التخصيص هذه المرتبة إلى أن أبقى من الخطاب اثنين، تطلب في المخصص زيادة قوة، فإن تعدت هذه المرتبة طلب في التخصيص زيادة القوة على ما قلناه في المرتبة الثانية.

وسبب هذه الموازنة بين ما تعارض من أدلة الشرع فيقدم الأوزن والأرجح، فإفادة الجموع لتعميم ثابت على حسب اختلاف طبقات العموم في قوة إفادة الاستيعاب، والخروج عن العموم إلى قصره على اثنين أبعد في حكم الخطاب، ودلالته من قصره على الثلاث، فاقتضى هذا بلا شك طلب قوة في المخرج له عن بابه. وقد يميل أبو المعالي في حمل الجمع على الواحد بشرط قرينة؛ فمن رأى امرأته تتصدى لناظر إليها، فإنه يحسن أن يقول لها: تتبرجين للرجال، ولم ير إلا رجلا واحدا، ولكن هذا لا يحمل الكلام عليه إلا في مثل هذه القرينة، وهذا الذي تمثل به فيه نظر، والمعلوم من القائلين بمثل هذا الكلام

<<  <   >  >>