قولهم: الناس، والقوم، وتمثيله إنما يصح له على أحد القولين، على أنه ينطلق على النساء بدليل قوله:(إنا أرسلنا نوحا إلى قومه)، وقد أرسل إلى نسائهم ورجالهم، لا على القول: إن النساء لا يسمين قوما بدليل قوله: (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء)، وقول الشاعر:
.................... ... أقوم آل حصن أم نساء
ويلحق بهذا النوع سؤال جار على أسلوبه، وهو دخول المتكلم في عموم كلامه، كقول القائل لعبده، من دخل الدار فليطعم. فقد قيل: لا يدخل المتكلم في هذا، ولا يلزم العبد إطعام سيده إن دخل، واستشهد هؤلاء بقوله تعالى:(خالق كل شيء)، ومعلوم أنه لم يدخل نفسه تعالى في هذا الخطاب، وهذا الاستشهاد ليس بشيء، لأن الخلق لا يتصور لذات الباري سبحانه، ولا يتوهم فيها، وهو مما يستحيل عليها، فلهذا لم يشتمل العموم عليه، ألا ترى قوله تعالى:(والله بكل شيء عليم)، وقد اشتمل على نفسه، فهو عالم بنفسه تعالى. وقد سلم أبو المعالي خروج المتكلم عن الخطاب بحكم ما يقع في كثير من الألفاظ بمقضتى العادة، لكن اللفظ عنده يتناوله بحق العموم ووضع الصيغة في أصل اللسان.
ومما يلحق بما نحن فيه اختلاف الأصوليين في صيغة العموم الصالحة لدخول النبي عليه السلام فيها كقوله:(يا أيها الذين أمنوا)، هل يدخل فيها صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فمذهب مشاهيرهم أنه داخل فيها، وذهبت طائفة إلى أنه غير داخل، لاختصاصه بأحكام لا تشاركه فيها، وهذا باطل، لأن الخصوص في غير محل الخطاب الذي نتكلم عليه لا يقتضي تعدي التخصيص إلى ما سواه، مما نحن فيه.
وفصل الصيرفي فقال: إن صدر الخطاب بأمر النبي عليه السلام بالتبليغ كقوله: (قل يا أهل أيها الناس) فإن النبي عليه السلام لا يدخل فيه، بخلاف الخطاب الذي لم يصدر بمثل هذا، بل ورد مسترسلا، فإنه عليه السلام يدخل فيه.
وأنكر أبو المعالي هذا التفصيل، لأن القول في الفصلين جميعا مستند إلى الله