سبحانه، والرسول مبلغ خطابه إلينا في الوجهين جميعا، فلا معنى للتفرقة.
ومما ألحق بما نحن يه خطاب النبي عليه السلام بصيغة تختص به [في] وضع اللسان، فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى مشاركة الأمة له في ذلك، وبه تعلقوا في عقد النكاح بلفظ الهبة، لقوله تعالى:(وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي)، فهذا خطاب مختص به صلى الله عليه وسلم، والناس مشاركون له في حكمه.
وأنكر أبو المعالي هذا من ناحية الخطاب لكونه خاصا في نفسه، وتردد في مسالك الصحابة فيه، فأشار إلى أن ما كان عرف تخصيص النبي عليه السلام فيه بخصيصة كالنكاح والغنائم، فإنهم لا يؤمرون بالمشاركة فيما ورد من هذا القبيل، وما لم يظهر فيه خصائصه صلى الله عليه وسلم ففيه مجال للنظر، وقد كان بعضهم يحتج على بعض بآيات مختصة به صلى الله عليه وسلم، ولا أقطع أنهم يردون ذلك في هذا النوع.
وبالجملة والظن المستفاد من ناحية وضع اللسان فهو المعمول به، وما كان من [الظنون] المستفادة من جهة عادات ووقائع ما أرى هاهنا إلى الأحكام مدخلا (...)(ص ١٢٠) النسخ، وإن كان مجوزا، ونراعي حكم التأويل المحتمل من ناحية اللفظ.
ونحن وإن تيقنا أنهم عليهم السلام كانوا يستدلون بأفعاله على رفع الحرج، إذا لم يظهر اختصاص النبي عليه السلام، فإنا لم نعرف من عادتهم في الخطاب المختص ما عرفنا من عادتهم في أفعاله، ونحن إنما لم نوسع المقال في خروج النبي من الخطاب العام، ودخول أمته في الخطاب المختص، لأنه قل ما تمس حاجة الفقيه إليه.
ومما ألحق بهذا الباب القضايا في الأعيان، وقد اختلف أهل الأصول في خطاب النبي عليه السلام رجلا من أمته بحكم ما، هل يتعدى ذلك إلى غيره ويقتضي مشاركة الأمة له فيه أم لا؟ والحق أن دعوى المشاركة من جهة الصيغة باطل، ودعوى الاشتراك من ناحية عمل الصحابة وعمل الشرائع لا شك فيه، وكذلك خطابه لأهل عصره معلوم أن من بعدهم عاملون به.
وأشار أبو المعالي إلى أن الاتفاق حاصل على تعديها من ناحية العمل، لا من ناحية وضع اللسان، ودعواه الاتفاق في هذا من جهة العلم لا يسلم له.