المذكور، وأن ما ذكر بخلاف ما لم يذكر. وهذا قد تقدمت الإشارة إليه.
ولكن أبا المعالي ذكر هاهنا مصير أصحاب أبي حنيفة إلى أن قوله عليه السلام:"الشفعة فيما لم يقسم" جار مجري تعليق الحكم بالصفة أو غيرها من أقسام دليل الخطاب المختلف فيها، ومذهبهم إنكار دليل الخطاب على الجملة، فنفي الشفعة فيما لم يقسم على رأيهم لا يدل عليه هذا الحديث، لذهابهم إلى إنكار دليل الخطاب.
ورأى أبو المعالي أن هذا غلط، وأن هذا اللفظ من ألفاظ الحصر، والألف واللام في قوله "الشفعة" للجنس، فحصر جنس الشفعة في غير المقسوم، فخرج هذا اللفظ بهذا عن تلك الأقسام المختلف فيها التي أشار أبو حنيفة إليها.
وكذا رأى قوله عليه السلام:"تحريم الصلاة التكبير، وتحليلها التسليم"، من ألفاظ الحصر، وهذا اللفظ عندي يقتضي ألا تحريم إلا بالتكبير، كما لا تحليل إلا بالتسليم، وليس ذلك من ناحية دليل الخطاب المختلف فيه كما ظنه أصحاب أبي حنيفة الذاهبون إلى أن نفى التحريم بغير التكبير إنما يتلقى من دليل الخطاب، ورأوا أن قوله:"تحريم الصلاة التكبير" دليله أن غير التكبير لا يكون تحريما، وهم ينكرون دليل الخطاب، ولأجل إنكارهم إياه، قالوا: إن المصلي يدخل الصلاة بغير التكبير كالقول: الله أعظم، الله أجل، كما يخرج منها بغير التسليم.
وأنكر أبو المعالي هذا، ورأى أن مثل هذا اللفظ إنما يستعمل في اللسان لحصر التحريم على التكبير، وهذا عنده مشهور عند أهل اللسان لا ينكره أحد. وعلى هذا اعتمد في الرد عليهم، بعد أن أشار إلى اقتضاب معنى من معاني الحال كالمؤكد لما قال، وإن لم يكن عنده بمجرده مما يعول عليه، فقال: إن العرب من كلامها المبتدأ والخبر، فمن حق المبتدأ أن يكون معرفة حتى يحصل في نفس السامع معنى معروف، فإذا حصل ذلك في نفسه يبني عليه أمر مجهول عنده يفيده سماعه.
وأما لو كانا معرفتين لم يلتمس فائدة لم تكن عنده، ولو كانا نكرتين لم يستفد أيضا لكونهما مجهولين، وإنما يحصل الاستفادة بالرتبة التي قلناها، فتقول: زيد قائم، فزيد قد عرفه السامع، وجهل حاله؛ هل هو قائم أو قاعد، فإذا قلت: قائم، وهذا اسم نكرة أفدت السامع له ما عليه زيد من الحال، هذا أصل الوضع، فإذا قلت: قائم، وهذا اسم نكرة أفدت السامع له ما عليه زيد من الحال، هذا أصل الوضع، فإذا قال القائل: زيد صديقي، فقد وضع الكلام على رتبته (...) بمعرفة معلومة عند السامع، وأخبر عنها بصداقة قدر أن السامع (ص ١٥٢) حاول بها.