فنكاحها باطل" على أنه لم يقصد بهذا الإشعار على أن ما عدا إذنه بخلافه، فتكون المرأة إذا عقدت على نفسها النكاح بمجرد إذن الولي لها في ذلك من غير أن يعقد عليها، يصح عقدها ونكاحها، كما قال أبو ثور ومحمد بن الحسن، لأن القصد هاهنا بهذا اللفظ مطابقة العرف الجاري، فإن المرأة التي معها أدنى خفر، واقل مسكة من الحياء لا تتبرج للرجال فتعقد على نفسها نكاحها منهم، فجرى النطق على حكم المتابعة لهذه العادة والإخبار بأن عقدها على نفسها باطل، دون الإشعار بأن الولي إذا أذن لها جاز أن تعقد على نفسها.
وهذا الذي ذكره الشافعي من الأمثلة أشار غيره فيه إلى أمثله أخرى يكثر تعدادها، قوله تعالى:(وربائبكم اللاتي في حجوركم)، فإن الربيبة تحرم وإن لم تكن في الحجر، وإنما اشترط الحجر جريا على المعتاد المعروف في كون الربائب في حجور أزواج أمهاتهن.
وهكذا قوله تعالى:(وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة)، فإن السفر إنما قيد به لأن الكاتب إنما يعدم غالبا في السفر لا في الحضر، فجرى التقييد على حكم المتابعة للعرف، لا على قصد الإشعار بأن الرهن في الحضر لا يحل كما قاله مجاهد، وأن نكاح الربيبة التي ليست في الحجر تحل كما قاله أهل الظاهر.
وخالف أبو المعالي طريقة الشافعي في هذا، ورأى أن دليل الخطاب لم يثبت بمجرد التخصيص بالذكر، إذ لو كان هذا من العلة للزم ذلك في الأسماء الأعلام، كما قاله الدقاق، ولكن إنما دل على ذلك بما في الكلام من الإشعار على حسب مقتضى حقائقه من كونه شرطا، ومن حق الشرط تعليقه جوابه به، إلى غير ذلك مما تقدمت الإشارة إلى علله.
وإن كان هذا هكذا لم يصح إسقاط مقتضى اللفظ باحتمال يؤول إلى العرف، فإذا لم يعلم قصد المخاطب إلى إسقاط دليل الخطاب لم يصح ما دل عليه الخطاب بالتجويز والاحتمال، واستشهد في هذا بأن عمر رضي الله عنه لم ينكر على تعلقه بدليل الخطاب في قصر المسافر على ما تقدم.
وقد أشار الشافعي إلى عده مما يسقط لأجل العرف كما تقدم.
وأشار أبو المعالي أيضا إلى نظر عنده فيما قاله الشافعي في حديث نكاح المرأة بغير إذن وليها، وذهابه إلى إسقاط المفهوم منه، ولكنه سلم أن دليل الخطاب إذا عرض فيه