مشعرًا نطقه بأن ما عدا المذكور بخلافه، وتكون هذه الدلالة على ما لم ينطق به كأنها بعض متضمنات اللفظ، وكأن اللفظ له متضمنان، أحدهما من جهة نطقه، والآخر من جهة ما يشعر به فيما لم يذكر فيه، فيصير ما أشعر به مما لم يذكر كبعض مسميات العموم، وهذا البعض المشعر به غير مستقل بنفسه، ولا هو كجملة منفردة، أو بعض جملة مستقلة بذاتها، وإنما من ضمن النطق، فيصح الخروج عنه بدلالة أيضا، كما يصح تخصيص العموم بدلالة.
وقد رأى الشافعي أن أحد الأدلة التي يسقط بها دليل الخطاب اطراد عادة يكون الناطق توخاها، وقصد مطابقة النطق لها، ولم يقصد إشعار النطق بأن ما عداه بخلافه، فإذا علم أن المتكلم قصد بالتخصيص مطابقة العادة فلا شك أن التخصيص لا يدل على أن ما عداه بخلافه. وكذلك لو ترددنا في قصده وجوزنا أن يكون قصد بالتخصيص الإشعار بأن ما عدا المذكور بخلافه، أو قصد به مطابقة العادة للحق دليل الخطاب بالمجملات التي يستدل بها لأجل ما دخله من الاحتمال.
وساق أمثلة وقعت في الشرع وقع التخصيص فيها بحكم مطابقة العرف لا بحكم الإشعار بأن ما عدا المذكور بخلافه، فذكر منها قوله تعالى:(فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان)، ومعلوم أن العرف باستشهاد الرجال دون النساء، لكون النساء يعسر استشهادهن وتكشفهن للقضاة وغيرهم في أداء الشهادة، فحمل قوله:(فإن لم يكونا رجلين) على مطابقة العرف المعتاد في الاستشهاد، وكقوله تعالى:(فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم)، وقوله عليه السلام: (المسافر وماله على قلت إلا ما وقى الله"، فالخطاب إنما جرى على مطابقة العرف والغالب في أحوال السفر، فلم يكن للتقييد مفهوم.
وكذلك قوله تعالى:(فإن ختم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليكم فيما افتدت به)، إنما قيد بالخوف لأن العادة أن المرأة لا تبذل مالها عوضا عن فراق الزوج وهما متحابان، وإنما تبذله إذا وقع القلى والتنافر، الذي يخاف معه ألا يقيما حدود الله، فاشتراط الخوف هاهنا جرى على مطابقة العرف، لا على القصد إلى أن يشعر النطق على أن ما عداه بخلافه، حتى يحرم على الزوجة المفاداة الخوف والمقة.
وهكذا أيضا حمل قوله عليه السلام (ص ١٥٣): "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها