تأويلها، فإن الغرض بالكلام على مثل هذا تدريب الفقيه على معرفة استخراج معاني الظواهر، وإيضاح مسالك التأويل التي يسلك فيها، وكلما أكثر من ذلك كان أفيد له، وقد تكلمنا نحن على هذه المسألة في كتابنا "المعلم" بنكت تليق بعلوم الحديث، وتكلمنا عليها كلاما مبسوطا في شرح التلقين بحسب ما يليق بالفقهاء الناظرين في مسائل الخلاف، ونتكلم عليها الآن بحسب ما يليق بالأصولي.
فاعلم أن مما يتعلق به في هذه المسألة لمن أثبت الولي قوله تعالى:(وأنكحوا الأيمى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم)، وقوله تعالى:(ولا تننكحوا المشركين حتى يؤمنوا)، وقوله تعالى:(وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينحكن أزواجهن).
ويتعلق من لم يشترط الولي بقوله تعالى:(فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف)، وبقوله تعالى:(فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره).
فيفتقر الفقيه هاهنا إلى التنبيه على وجه التمسك بالظاهر، وإلى التنبيه على ما يتأول على الظاهر.
فأما التنبيه على وجه الاستدلال فإن المالكي يقول: نرى الله سبحانه خاطب الأولياء آمرا بالإنكاح، ونهيا عن الإنكاح، ونهيا أيضا عن المنع عن النكاح، فلو كان الأولياء لا حق لهم، ولا يفتقر إليه في العقد بل هم فيه كالأجانب لكان خطابهم خطابا لا يفيد، وحمل خطاب الله سبحانه على ما لا يفيد لا يصح.
ولهذا لم يحسن أن يخاطب الأجانب بمثل هذا الخطاب، لما كان لا مدخل لهم في إنكاح الأجنبيات.
فيقول له الحنفي المؤول: أنت تسلم يا مالكي أن اللفظ لم يتعرض فيه إلى حكم عقد المرأة على نفسها، وإنما فيه أمر الأولياء بالعقد، أو نهيهم عن العقد، أو عن المنع منه، وإنما عولت على أن إسقاط حق الأولياء يصير الخطاب غير مفيد، فما المانع أن تكون الفائدة في الخطاب أمر الأولياء بالنكاح إذا دعتهم إليه الولية، ونهيهم عن المنع إذا دعت إليه الولية أيضا، أو نهوا عن منع يوقعونه ظلما وعدوانا على ولياتهم المقهورات تحتهم المقصورات عليهم، أو يكون الخطاب لأولياء يملكون العقد لاستحقاقهم النظر لمن يكون عليه؟