وإذا أظهرنا فائدة للخطاب وقف عليكم الاستدلال، وعاد الأمر إلى أن تقولوا: فائده كون المرأة تفتقر إلى الولي شرعا، وإلى أن نقول نحن: تفتقر إليه عادة وعرفا، للعلم أن المرأة ولو كانت متبرجة، فإنها تظهر الخفر والحياء من أن تعقد على فرجها، وتماكس في العوض عن وطئها، وإنما تستنيب وليها، ويلقى هذا بوجه، والرجال يسهل عليهم ملاقاة الرجال، فلهذا حسن الخطاب للأولياء.
وأما النهي عنا لعضل، فالعضل: المنع، وقد يمنعها الولي حقا، ويمنعها باطلا وعدوانا عليها، وليس في الآية أكثر من منعه أن يمنع، فإثبات افتقار العقد إليه لم يشتمل عليه الظاهر.
هذا وفي الآية طريق آخر من التأويل يجب أيضا أن يتنبه إليه الفقيه ليستعمله في مواضع أخر، وذلك أن الخطاب افتتح بالأزواج فقال سبحانه:(وإذا طلقتم النساء)، ولا شك أن المطلق هو الزوج لا الولي، ثم قال:(فبلغن أجلهن) يعني عدتهن، ثم قال:(فلا تعضلوهن)، فلا شك أن هذا الضمير عائد على حرف الخطاب الذي هو التاء والميم، في قوله:(طلقتم)، وأ/االولي فلا ذكر له هاهنا، والمعنى أن الزوج لا يسوغ له إذا قرب انقضاء العدة أن يرجعها ثم يطلقها فتعتد عدة ثانية، حتى يضر بها في التطويل.
ولكن للمالكي أن يقول هاهنا: أما من جهة الضمائر، فالأظهر ما قلته يا حنفي، وأما من جهة قوله:(فإذا بلغن أجلهن) فالأظهر أن الولي لا الزوج، لأن المرأة إلى بلغت أجلها فقد انقضت عدتها، والزوج بعد انقضاء عدتها لا يملك ارتجاعها، فاضطر هذا إلى حمله على الولي، ويؤكد هذا ما ورد في صحيح الأخبار من نزول الآية في معقل بن يسار لما منع (ص ١٦٦) أخته من النكاح، ولا يصح أن تنزل الآية على سبب، وتحمل على غير سبب نزولها.
ويقول الحنفي: معنى قوله: (فإذا بلغن أجلهن)، أي قاربن بلوغ الأجل، حتى يكون ارتجاع الزوج واقعا في موضعه.
فيقول المالكي: هذا إضمار لم يدع إليه اضطرار.
فأنت ترى وجه العمل في التأويل والموازنة بين هذين التأويلين، أن تأويلهم (بلغن) بمعنى قربن البلوغ أظهر من تأويل عود الضمير الثاني على غير الأول، لولا الخبر