وأما قوله تعالى:(فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف).
وأما الحنفي فيقول: أخبر تعالى أن لا جناح علينا فيما فعلت المرأة بنفسها بعد انقضاء عدتها، وإضافة الفعل إليها بمقتضى افنرادها واستبدادها به دون الولي.
فيقول المالكي: قد قال تعالى مقيدا لهذا بالمعروف، وفي المعروف تنازعنا، فقلنا: المعروف أن تعقد نكاحها بولي يعقد عليها، فقد صار التقييد يعود بإجمال في موضع الاستدلال.
وكذلك قوله تعالى:(حتى تنكح زوجًا غيره) يقول الحنفي: أضاف الفعل إليها، وهذا يقتضي انفرادها دون الولي. ويقول المالكي: المراد بالنكاح هاهنا الوطء، إذا لا تحل المبتوتة بمجرد العقد عند سائر العلماء سوى ابن المسيب، وإذا كان المراد الوطء فهي تنفرد به دون وليها.
فهذا وجه العمل في الظواهر القرآنية.
وأما قوله عليه السلام:"لا نكاح إلا بولي"، فينظر الفقيه إليه من باب آخر في أصول الفقه، فقد تقدم ذكره، وهو هذه الألفاظ الواقعة على نفي الذوات الموجودة؛ هل يحمل على نفي الكمال أو غيره، وقد تقدم ذكر المذاهب في هذا الأصل والأدلة عليها.
وأما الحديث الذي اشتغل أبو المعالي هاهنا بالنظر فيه خاصة، وهو قوله عليه السلام:"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل" الحديث، فإن الشافعي ومالكا يستدلان به على أبي حنيفة، ولكن لأصحاب أبي حنيفة فيه تأويلات: أحدها: حمله على الصغيرة: والثاني: حمله على الأمة، والثالث: حمله على المكاتبة.
فأما حمله على الصغيرة فيرد عليهم من وجهين:
- أحدهما: أن الصغيرة لا تسمى امرأة، كما لا يسمى الصغير رجلا.
- والثاني: أن الصغيرة إذا عقدت على نفسها كان الخيار لوليها في إمضاء العقد عليها أو رده، يفعل من ذلك ما هو الأصلح لها، فالنكاح إذا اختار الولي إمضاءه [ليس] بباطل، والنبي صلى الله عليه وسلم وصف هذا النكاح بالبطلان، وقال: باطل، باطل باطل، ثلاثا، فوكد الإبطال به. وقد تأولوا قوله: باطل، على أن المراد به ما يؤول الأمر إليه إذا اختار