للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشهر فليصمه)، والصوم: الإمساك، ومن صام رمضان بغير نية فهو ممسك.

ودوفع عن هذا بأن المراد الصوم الشرعي لا اللغوي، وصفة الصوم الشرعي فيه التنازع، صار كالمجمل في الآية، فلا يتعلق بما فيه.

وهكذا قوله عليه السلام: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل"، هذا ينفي عمومه حصول صوم شرعي بغير نية، رمضان كان أو غيره، فإن تأوله زفر على ما سوى رمضان، أجيب بأن هذا اللفظ بالغ في التعميم كما تقدم بيانه في كتاب العموم، وصوم رمضان هو المتكرر في الشرع في كل عام في حق كل مسلم، وما سواه كالنادر الشاذ بالقياس إليه، فلا يحمل مثل هذا اللفظ العام على الصور النادرة قصرا عليها كما قدمناه في المسألة التي قبل هذه.

وأضرب أبو المعالي عن الكلام على الحديث من هذه الجهة مع زفر، وتشاغل بالوجه الثاني، فلعله لما رأى طرق التأويل في الوجه الثاني أبعد، لأجل أن المراد عند بالحديث بيان محل النية، لا بيان ما تثبت فيه النية وما لا تثبت.

وأما الوجه الثاني فإن فقهاء الأمصار اختلفوا في محل النية، فعند مالك أن جميع أنواع الصوم التي قدمناها محل النية فيها قبل الفجر في الليلة التي صبيحتها لليوم الذي يصام، ووافقه الشافعي إلا في التطوع، فإنه أجاز إيقاع النية في نهار يوم الصيام، على اختلاف عندهم؛ هل يشترط في ذلك أن يوقع النية قبل الزوال، أو يجوز إيقاعها في سائر أزمان النهار، على خلاف عندهم فيما انقضى من النهار قبل إيقاعه، هل يثاب عليه ثواب الصائم أو يقصر الصوم وثوابه على ما بعد زمان النية.

وأما أبو حنيفة فإنه يرى أن كل صوم مضمون في الذمة كقضاء ما وجب صيامه، أو صوم نذر مطلق غير معين يفتقر إلى نية، وما سوى ذلك من الصيام الواجب المعين وغيره يصح فيه إيقاع النية في نهار الصوم قبل الزوال تمسكا منهم بصوم عاشوراء، فإن الخبر ورد بالأمر يصومه في خلال النهار، فاقتضى ذلك ترك اشتراط التبييت في الصوم المعين. وأجيبوا عن هذا بأن وجوب صوم يوم عاشوراء نسخ فسقط التعلق بجملة أحكام.

ولما رد عليهم ما قالوه فيما توعده بقوله عليه السلام: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل"، تأوله على أن المراد به ما ذكروه من الصوم المضمون.

ورد أبو المعالي هذا بالطريقة المتقدمة، ورأى أن هذا اللفظ عام بالغ في التعميم، فلا يحمل على هذا الجنس من الصوم الذي يشذ ويندر، كما تقدم بسطه في مسألة النكاح بغير ولي. وقد علم أن شهر رمضان هو المكرر المعروف المألوف، فلا يظن بالنبي عليه السلام

<<  <   >  >>