دولة بين الأغنياء، ولكني نعطي الغني كما نعطي الفقير، وليس هذا المال دولة بين الأغنياء خاصة، والآية إنما منعت من كونه دولة بين الأغنياء خاصة.
وإذا انتهى التأويل إلى هذه الطبقة من الإشكال خرج عما نحن فيه، وإن كان موضع بسط كتب الفقه.
واعلم أن مما يتعلقبهذه النكتة التي نحن فيها، أنها تعاليل مستنبطة من لفظ، عادت بتخصيص اللفظ، والعموم لا يخص بعلة مستنبطة منه، لأن العلل إنما تستنبط من الألفاظ بعد تحصيل مضمونها (ص ١٧٧) وكمال فائدتها، فإذا استقرت فائدتها وما يفيد لفظها، بحث الباحث عن سبب القول بعد تحصيله، فيتحصل من هذا أن العلة تابعة لتحصيل معنى اللفظ وما يفيده، وهذا يمنع التخصيص بعلة مستنبطة منه، لأنا نقدم قبل النظر في علة إفادته للاستيعاب، فإذا كان مفيدا للاستيعاب نظرنا في سبب إفادته للاستيعاب، وهذا يناقض التخصيص منه فيه. لكن لو كان التخصيص باستنباط علة من اصل آخر ولفظ سواه لكان فيه الخلاف الذي قدمناه في بابه، وذكرنا سبب الخلاف فيه أيضا.
وبهذا يرد بعض الحذاق ما صنعه أبو حنيفة في مسألة ذوي القربى ومسألة الزكاة، فإنه استنبط علة من تعداد هذه الأصناف، أسقط بها بعض اللفظ المشتمل على بعض الأصناف.
وهذا كمنعه من التعليل للربا بالكيل لكون اليسير من البُر الذي لا يكتال ليسارته فيه الربا لعموم قوله:"البُر بالبُر"، واستنباط الكيل من هذا اللفظ يخص هذا اللفظ.
وهكذا صنع في إجازة افتتاح الصلاة باللفظ الذي فيه تعظيم الله سبحانه قياسا على التكبير لما كان فيه تعظيم، فاستنبط من التكبير الوارد به الشرع علة عطل! بها لفظ الاختصاص الوارد به من قوله:"تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".
وهكذا صنع في التسليم وأجاز الخروج بغير لفظ التسليم.
وهكذا أباح الاقتصار في الصلاة على بعض الآي سوى أم القرآن تخيلا أن القصد قراءة قرآن ما، فعطل ما ورد من الاختصاص بأم القرآن.
وهكذا أجاز إخراج قيمة شاة عن أربعين شاة، فعطل اللفظ الوارد بالشاة، بأن استنبط منه أن القصد سد خلة المحاويج بهذا المقدار، وإن كان في مذهبنا نحن اختلاف في إخراج القيم في الزكاة ذكرناه وذكرنا سبب الخلاف فيه في كتاب "شرح التلقين".