وأما بنو هاشم فهم كما قالوا له: هم أقرب إليه، لأنهم وإياه أولاد جد، وهاشم وهؤلاء أولاد إخوة هاشم، فتنازع الإمامان في هذا الحديث، فيقول أبو حنيفة: أضرب عليه السلام في هذا الحديث على التعليل بالقرابة وقصد إلى التعليل بالنصرة والمشادة، ألا تراه بقول:"أنا وبنو عبد المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام"، ومثل المشابكة التي بينهم في المعاضدة بمشابكة الأصابع بعضها ببعض، فأشعر بذلك أن القرابة ليست بسبب في استحقاق هذا المال.
ويقول الشافعي: ليس الأمر كذلك، وإنما ذكر النصرة والمعاضدة ترجيحا لقرابة على قرابة، وإن كانت النصرة بمجردها لا توجب استحقاقا في هذا النصيب، ومثل ذلك في الشريعة أن الأخ الشقيق يحوز المال إذا انفرد، وكذلك الأخ للأب يحوز المال إذا انفرد، فإن اجتمعا أسقط الشقيق الأخ من الأب، وإن كانا جميعا أخوين من الأب، لزيادة الشقيق القربى من جهة الأم، وإن كانت هذه الزيادة لو انفردت لم توجب تعصيبا، لكنها إذا ضامت التعصيب أكدته ورجحته، وكذلك نصرة هؤلاء لما ضامت قرابتهم، أكدت قرابتهم ورجحتها.
ويبطل ما تخيله أبو حنيفة من تأويل هذا الحديث أنه عليه السلام أقرهم على اعتلالهم بالقرابة، وإشارتهم إلى أنهم يستحقون, وهو عليه السلام لا يقر على باطل، فلو كانت القرابة ليست بسبب هاهنا، وإنما السبب الفقر لأنكر عليهم اعتلالهم بالقرابة، ولما سلم أخذ بني هاشم بالقرابة. ومن هذه الجهة يكاد هذا التأويل للحديث يلحق بما نحن [فيه]، لأنه عليه السلام إذا اقر على التعليل للاستحقاق صار كأنه هو الناطق به، والتحيل على التعليل يبطل حكم نطقه لا سبيل إليه.
وهكذا صنع القوم أيضا في قوله تعالى:(ما أفاء الله على رسوله من أهل القربى* فلله وللرسول ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)، فذكر الستة الأصناف المذكورين في سورة الأنفال في خمس الغنيمة، وعلل استحقاقهم بأن لا يكون هذا المال دولة بين الأغنياء، وهذا التعليل يمنع إعطاء قرابة النبي عليه السلام إذا كانوا أغنياء، وإذا امتنع ذلك بحق هذا التعليل فقد ثبت التقييد بالفقر والحاجة في ذوي القربى المذكورين في آية الانفال، وهذا هو المطلوب. وهذا من آكد ما يتعلق به أبو حنيفة.
ويقول الشافعي: إني لا أخص المعنى من قرابة النبي عليه السلام بهذا النصيب فأجعله