وهذا لا ينجيه من كون تأويله معطلا للفظ، لأجل أنه يجوز حرمانهم وصرف هذا النصيب إلى فقراء غيرهم، وهو إذا صرف إلى من سوادهم صار اللفظ معطلا، وكل تأويل عطل اللفظ فإنه غير مقبول. هذا، وهو يرى أن الزيادة على النص نسخ، والنسخ لا يكون القياس، وقد قال الله سبحانه:(ولذي القربى)، ولم يقل فقيرا ولا غنيا.
فإذا قال أبو حنيفة: المعنى: ولذي القربى الفقراء. قيل له: هذا تقييد لمطلق، وزيادة على نص بقياس مستنبط، وذلك مما يمنعه، كما منعته في اشتراط الإيمان في الرقبة لعتق في الظهار، فإن الله سبحانه يقول:(فتحرير رقبة) ولم يقل مؤمنة. فرأيت أنت أن قولنا وقول الشافعي لا يجزئ في الظهار إلا رقبة مؤمنة زيادة على النص، فلا يسوغ لنا عندك رد هذه الآية التي في الظهار إلى آية كفارة القتل لما قيد فيها بالإيمان، فقال:(فتحرير رقبة مؤمنة)، فكذا يجب أن يقول بما قاله الشافعي: إن هذا النصيب (ص ١٧٦) من الخمس يجب أن يعطي لقرابة النبي عليه السلام الأغنياء منهم والفقراء، يأخذونه على حد سواء.
وقد وقع في هذه المسألة استدلالات أخر، تحتاج إلى حكومة بين المتأولين، فمن ذلك ما روي أن عثمان بن عفان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، لما أعطى من الخمس بني هاشم وبني عبد المطلب وتركهما، فقالا: يا رسول الله: إنا لا ننكر فضل إخواننا من بني هاشم للمكان الذي وضعك الله فيه منهم، فما بال بني عبد المطلب أعطيتهم وحرمتنا، وقرابتنا وقرابتهم واحدة؟ فقال عليه السلام:"أنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، وبنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد، هكذا، وشبك بين أصابعه" الحديث كما وقع.
وبسط هذا الحديث أن جد النبي عليه السلام الخامس منهم عبد مناف، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم: محمد، بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف. وكان عبد مناف هذا له خمسة بنون، منهم واحد لم يعقب، وهو أبو عمرو، والأربعة عقبوا وهم: هاشم جد النبي عليه السلام، وعبد شمس جد أعلى لعثمان بن عفان، ونوفل جد أعلى لجبير من مطعم، والمطلب أخ لهؤلاء الثلاثة رجال، فقرابة عثمان وجبير رضي الله عنهما كقرابة بني المطلب، لأنهم أبناء رجال إخوة، فهذا معنى قولهما: قرابتنا وقرابتهم واحدة.