المقصود المطلوب منه، وهو سكون النفس إلى خبره، والاطلاع على ذلك يمنع من سكون النفس إلى خبره.
وهذا الذي أشار إليه هذا الرجل مما حكيناه عنه أنه أراد به تعمد الكذبة في حديث النبي عليه السلام تتعلق به أحكام، أو في شهاد زور أباح بها الدماء والفروج، فلا يصح أن يعد ذلك من الصغائر، بل هو كبيرة اقترفها ويعود حكمها إلى ما قدمناه في مقترف الكبيرة. وإن كان ذلك في أحاديث المفاكهة والمؤانسة فيما لا يحدث ضررا في دين ولا دنيا، فإن هذا فيه نظر.
وأما القاضي ابن الطيب فإنه أشار إلى مسلك قريب من مسلك الشافعي، فرأى أن من عرف بالقيام بالفرائض، واتباع أوامر الله سبحانه، واجتناب مزاجر الشرع، وتوقي ما يمرض القلوب فيه ويحدث فيها تهمة، وسوء ظن بدينه، فإن هذا هو العدل المقبول الشهادة والرواية. فإذا سئل عمن قارف كبيرة كالزنا، وقتل النفس، قال: قد قيدت قولي بأن كل ما يؤثر في النفوس تهمة فإنه يوجب رد الشهادة والرواية، ولا شك أن من سهل عليه ارتكاب الزنا وقتل النفس فقد تسهل عليه شهادة الزور ورواية الكذب عن النبي عليه السلام، وكذلك لو فرضناه سرق حبلا أو بيضة وما لا قدر له من المكاسب، فإن هذا وإن كان محتقرا في نفسه، فإنه يؤذن بخساسة همة سارقه، ورذالة نفسه، ومن بلغ في الخساسة وسقوط المروءة إلى ركوب الخطر في سرقة مثل هذا النزر المحتقر، فإنه يتهم في شهادته وروايته، أن تحمله خساسة النفس على الوقوع في ذلك وعلى أن لا يبالي بالناس متى أطلعه على كذبه وزوره.
وهذه الطراق التي ذكرناها عن أئمة الفقهاء والأصوليين حتى واضح، ومسلكنا في قبول خبر الواحد والعمل به اتباع الصحابة رضي الله عنهم، ونحن نعلم قطعا أنهم كانوا لا يقبلون الرواية عن النبي عليه السلام ممن اطعلوا على وقوعه فيما ذكرناه من المحرمات والخساسات، وملابسة أمثال هذه الدناءات.
فلا يبقى للأصولي والفقيه إذن نظر فيما يقبلانه بعد هذا الإشكال إلا في سؤال واحد، وهو أنا لو فرضنا وقوع إنسان قد حصل ما ذكرناه من طرق العدالة فياجتناب المعاصي، لكنه [وقع] في مباحات تفسد النواميس، وتهتك حجاب الهيبة، وتخلط فاعلها بخلعه ثوب الوقار والمروءة، كمداعبة تقع من الأفاضل، والعلماء، ورؤساء الدين، والنساك، والمنتصبين للشهادات مع بعض العوام والأرذال، والانخراق في الضحك