والتلاعب، والاستهزاء والمجانة، والجلوس على قوارع الطرقات للتنزه، والآكل (ص ٢١٧) بالأسواق، إلى غير ذلك مما أضربنا عن ذكره تفصيلا، وهو داخل فيما ذكرناه على الجملة، من كونه هادما للمروءة، واضعا للقدر، فإن هذا القسم الذي ذكرناه من جماعة من الائمة على أنه يحل محل التجريح في وجوب التوقف عن قبول الرواية والشهادة.
ومر القاضي ابن الطيب فيه على أنه معلق بالاجتهاد في حال فاعل هذا الجنس من الأفعال، فإن لاح من مخائله أنه إنما يبعثه على ذلك دناءة الهمة، واستخفاف سقوط المنزلة، وقلة المبالاة بما يضع من القدر، فإن ذلك يوجب رد شهادته وروايته، وإن كان إنما بعثه على ذلك غرض صحيح، أو تأويل تأوله من إيثاره التجلي وممازحة الناس، واستئلافهم، والتحبب إليهم، وخلع ثوب الرياء والكبر، فإن هذا لا يوجب رد الشهادة ولا الرواية، وما أرى الأئمة الذي أطلقوا القول برد الشهادة والرواية في هذا الصنف إلا يوافقون القاضي ابن الطيب رحمه الله على أن ذلك لا يوجب رد الشهادة والرواية، إذا ذهب [إلى] أن الباعث على هذا الفعل غرض صحيح، غير خارج عن منهج آداب أهل الدين والدنيا وسدادهم.
وهذه الطريقة هي الصحيحة، ولكن الانحراق في مثل هذه المعاني، والتفرغ لها، وقطع الأزمنة بها مع كل من جالس الإنسان أو لقيه سخف وخرق يبعد في مثله أن يبعث عليه غرض صحيح أو تأويل سديد، وإنما يقع الاجتهاد في قلة تقع من هؤلاء الصنف المرموقين بعين الجلالة مع بعض الأشخاص، وهذا محل الاجتهاد في التعدل والتجريح الذي لا يققبل إلا من أهل الذكاء والتحصيل، ومن شدا أطرافا من علوم الحقائق التي يستعان بها على ما يقبح من هذا ويحسن. وأما الوقوع في الكبائر فالشهادة به غير مقبولة على الإطلاق إذا حكى الشاهد على معاينته ضبطها.
وأما أبو المعالي فإنه تعرض لسائر هذه الفصول التي بسطنا القول فيها، فجمعها في كلام وجيز، فقال: إن الثقة هي المعتمد عليها، فمهما حصلت الثقة بالخبر قبل، وهذا مفهوم من عادة الأولين، وهذا على إيجازه هو الطريقة التي حكيناها عن الأئمة، لأن ما ذكرناه من المعاصي والانخراق في مداعبة الأرذال التي تخرم الثقة، وتخلخل سكون النفس إلى خبر من كانت هذه حاله.
ولكنه أشار إلى زيادة في هذا فقال: لم يرد الشرع بتعبد في الأخبار، ومراعاة شرائط، كما ورد في الشهادة، فمجرد الثقة بالشهادة لا يغني دون أن يسمع ذلك من حر، أو ذكر،