للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا لحصول الثقة بخبره، وغلبة الظن بصدقه، وكون الظاهر من حاله العدالة وتجري الصدق. وهذا المعنى يثبت في خبر العدل إذا عدله رجل آخر عدل، والنفس تسكن إلى خبر المعدل، كما تسكن لخبر المعدل، فوجب قبول الخبر عن التعديل، كما وجب قبوله عن النبي عليه السلام.

والمفهوم عن الصحابة أنه لو روي لهم رجل خبرا عن النبي عليه السلام وهم يعملون حاله، فقال لهم الصديق أو عمر رضي الله عنهما: إنه ثقة صدوق، لبادروا الخبر بخبره، وعولوا على مقتضى ما يقول، وإذا ثبت هذا في الخبر قيست الشهادة عليه، والعلة الجامعة بين الشهادة والخبر عند هؤلاء أن الشهادة هي ما يختص به رجل واحد بعينه، أو قوم بأعيانهم، ويتطلب فيه فصل القضاء ويمكن الترافع فيها إلى الحكام والتخاصم، ألا ترى أن من شهد على رجل بدين، أو وديعة، أو نكاح، أو طلاق، أو عتاق، أو قتل، أو سرقة، أو قذف، فإن جميع هذا مما يختص ضرره بالمشهود عليه، وما يتطلب فيه فصل القضاء ويمكن فيه المرافعة إلى الحكام، يتطلب فيه الشرع العدد استظهارا لمزيد الظن وقوته، وانتفاء التهمة عنه، والخبر عن النبي عليه السلام لا يختص ضرره بشخص واحد، ولا يقف حكمه على معين، بل يعم سائر المسلمين والمخبر بالخبر، وكل ما سواه، فحسن أن لا يتطلب فيه استظهارا بالعدد.

وإذا تصورت هذه النكتة كما يجب، فمهنا ينشأ الخلاف في اعتبار العدد في المزكي والمجرح، وذلك أن من اعتبر العدد في ذلك قال: إن المقصود إثبات وصف رجل بعينه، وهو المخبر أو الشاهد، وإذا كان مضمون القول الاقتصار على ثبوت أمر معين في رجل معين، فهذا حقيقة الشهادة.

وقد جاء الشرع باعتبار العدد في الشهادة، ومن لم يعتبر العدد في ذلك قال: إن هذا الوصف إذا حصل لهذا الرجل قبل قوله وخبره وشهادهت في جميع ما يخبر عنه أو يشهد عموما، فصار ذلك كقول تضمن عاما في سائر الناس، فجرى مجرى الخبر، فالالتفات إلى هذا السر في هذه المسألة هو سبب اختلاف الفقهاء والأصوليين فيها، وعلى المرور عليها مال الحذاق إلى تصويب من قال: إن الهلال يجب أن يقبل فيه خبر واحد، كان هلال صوم أو هلال فطر، لأن مضمون هذا الخبر عن الهلال يتضمن حكما عاما يخاطب به هذا المخبر عن الهلال وكل من سواه.

وقد اختلف أئمتنا في قبول خبر الترجمان الذي يترجم للقاضي عن أهل اللغات الذين

<<  <   >  >>