للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واشترط أبو المعالي في قبول روايته، وكونه معدلا لأشياخه إذا ظهر تعويله على الحديث، بأن يكون ذلك العمل مما لا يؤخذ فيه بالاحتياط، حتى يجوز أن يكون الراوي احتاط للعمل بأن أخذ بالرواية. وهذا التقييد الذي اشترطه داخل في الجملة التي أجملناها أولا، حيث قلنا: إنا نشترط أن لا يكون عمل بدليل آخر غير الحديث، وكأنه هذا ضرب من ذلك، والأخذ بالاحتياط مسلك ثان غير مجرد الرواية.

وعلى هذا الأسلوب يجري الأمر في التجريح الضمني، فإنه إذا روى حديثنا ولم يعمل به، وتحققنا أنه لم يترك العمل به لدليل آخر عارضه، فإن الظن به أنه ترك العمل به لكون شيخه فيه غير ثقة عنده، أو شيخ شيخه. ولا شك أن هذا مما يخرم الثقة بالخير. وقد كنا قدمنا مرارا أن المعتمد في هذا الباب حصول الثقة وسكون النفس إليه.

وقد أجرى القاضي ابن الطيب هاهنا سؤالا جاريا على هذا الأسلوب، وهو أن القاضي إذا حكم بشهادة قوم، فإن ذلك حكم منه بتعديلهم، إذا عول في البحث عن حالهم على نسه، واختياره، وفحصه عن حالهم، بخلاف أن يزكوا عنده، فإن ذلك لا يكون حكما بتعديلهم. وهذه المسألة [سنذكر] تفصيلها في ما نميله من الفقيهات، ففيها نبسط المقال في قاض آخر، هل يكلف بالاجتهاد في حال الشهومد، واستئناف النظر [أو يضرب عن ذلك] صفحا، ويعول على القاضي الذي نفذ حكمه بتعديلهم على حسب ما ذكرناه.

المسألة الرابعة (...) فيمن يزكى أو يجرح شاهدا أو مخبرا، فقالت طائفة: لا يقبل في تزكية المخبر أو الشاهد إلا اثنان [ولا يقبل] في ذلك قول رجل واحد. وقالت طائفة: أما المخبر فيقبل في وصف حاله رجل واحد بخلاف الشاهد (...) الشهادة، وعليه أكثر أهل المذاهب، فإنه يرى أن العدد لما كان معتبرا فيها وجب أن يعتبر فيما شرط في (ص ٢٢٠) قبولها أو ردها. ولما كان التعديل والتجريح مؤثرين في القبول والرد وجب اعتبار العدد فيها كما اعتبر ذلك في نفس الشهادة، وإذا ثبت هذا في تعديل الشهود أو تجريحهم قيس عليه تعديل المخبر أو تجريحه، لأنه شهادة بحاله على رأي من ساوى بين الأمرين.

وأما على رأي من فصل بينهما فإنه لا يسلم هذا القياس، لأن القياس لا يصح إلا بعلة جامعة، ولا علة تجمع هاهنا بين الخبر والشهادة، وأما من ساوى بين الجميع في أنه لا يعتبر عددا في تزكية شاهد أو مخبر أو تجريحهاما بل يقبل في جميع ذلك قول رجل واحد، فإنه يعول على أن قدمنا إجماع الصحابة على العمل بخبر واحد عن النبي عليه السلام، وما ذاك

<<  <   >  >>