للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الاختلاف الذي أورده في هذين النوعين يفتقر إلى بسط وتحقيق، فربما وقع في النفس أنهما سيان، وأنه لا وجه لتقسيمهما في الخلاف على المرتبة التي ذكر، والتشاغل بتحقيق هذا يفتقر إلى أمر يطول.

المسألة الثالثة ذكر أبو المعالي أن التعديل يكون تصريحا، ويكون ضمنا، فأما التصريح فهو ما تقدمت العبارة عنه، كقولنا: عدل رضي، وأما الضمن فإن العلماء مختلفون في الراوي العدل إذا روي عن رجل سماه حديثا؛ هل تكون روايته للحديث عنه تعديلات له أم لا؟

فمنهم من قال: لا يكون تعديلا، وهو اختيار الحذاق، إلا أن يقول: لا أروي إلى عن عدل، أو يفهم ذلك عنه من عادة وقرينة حال، فيكون ذلك لاحقا بالتعديل التصريحي.

وقيل: بل ذلك تعديل، وقد كنا قدمنا حكاية هذا المذهب عن القاضي إسماعيل. والرد على هذا المذهب أنا نقول: إذا كان من المجوز في العقول أن يروي الراوي الحديث عن العدل وعن الفاسق، فإن الرواية بمجردها تعديل مع هذا الاحتمال والتجويز، وقد عرف من جماعة من أئمة المحدثين أنهم يروون عن الثقة، وعن غير الثقة، وهذه دواوين الحديث لا تحصى كثرة ولم تشترط الصحة، إلا دواوين مشهورة كالموطأ والبخاري ومسلم، فإن مالكا رضي الله عنه قد علم أن كل من روى عنه حديثا عن النبي عليه السلام، وأدخله في موطئه ليعمل به، فإنه عنده ثقة عدل رضي للرواية عنه، وهكذا اشترط البخاري ومسلم هذا، وقد نوزعها في بعض ما رويا عنه على ما هو مذكور في كتب الحديث، وهذا أبو داود على كتاب يعول أكثر الفقهاء البغداديين قد ذكر عنه أنه أشار إلى أنه أدخل في كتابه العدل والمستور، وإنما جانب المستجرح، ومن وقف على دواوين الحديث علم صحة ما قلناه من رواية كثير منهم عمن لم تثبت عدالته.

ومما يفيد في التعديل الضمني عمل راوي الحديث بالحديث الذي رواه، فإن من الناس من ذهب إلى أن عمله بما رواه يدل على تعديله لأشياخه الذين روى عنهم ذلك الحديث، إذا علم أنه عول على العمل بالحديث لا على دليل سواه. ومنهم من يقول لا يكون ذلك تعديلا، لجواز أن يكون من مذهبه الاقتصار على ظاهر الإسلام، وقبول رواية المستور والعمل به، ونحن قد رددنا مذهب من ذهب إلى العمل برواية المستور، فإذا جوزنا أن يكون القائل بالحديث ممن ذهب إلى هذا المذهب الذي رددناه لم يعول على عمله.

وأجيب عن هذا بأنا نقبل تعديله التصريحي إذا قال: هو عدل رضي، ولا يرد ذلك لتجويز أن يكون من مذهبه التعديل على ظاهر الإسلام، وهكذا يستقصى في المسألة التي نذكرها بعد إن شاء الله.

<<  <   >  >>