ولكنه يفهم عنه أنه سهل ذلك عليه لغرض من الأغراض التي يجوز له اعتمادها، فإن ذلك يوجب رد خبره إذا عرف بذلك، أو وقع منه ما يدل على ضعف الدين، وقلة الورع، وركوب المعصية في مثل هذا.
وأما إن لم يعرف بالتساهل، ولكن بدت منه غفلات وسهو، فإن ذلك وإن كان نادرا وقليلا في أحواله، فإن حديثه مقبول ما لم يلح للسامع منه ظهور مخايل الغفلة والسهو، وغلبت عليه، فاختلف في حديثه [على] أقوال:
- أحدهما: أن ذلك لا يمنع من قبول حديثه، إلا أن يظهر في حديث بعينه عليه دلائل الغفله فيه.
- والثاني: أن حديثه لا يقبل، لأن الظن أن الأقل لا حق بالأكثر، فإذا كان الأكثر من أحوله الغفلة في حديثه، قدر أنه مغفل في جميعها.
- وقيل: إن ذلك مصروف إلى الاجتهاد والبحث عن الحديث الذي سمع منه حتى يظهر ضعفه من قوته، وهذا مذهب عيسى بن أبان، وهو اختيار القاضي أبي محمد عبد الوهاب، ومثل القاضي أبو محمد هذا الاجتهاد بمثل ما وقع في حديث أبي هريرة:"من أصبح جنبا فلا صوم له"، فلما بحث عن الخبر بسؤال أمير المؤمنين رضي الله عنهما، ظهر من حال الرواية وما وقع في سندها ما كان خفيا.
والقاضي أبو محمد قد يشير إلى ارتفاع الخلاف إذا تقارب أحواله فيها، ولميكن ممن الغالب عليه أحد الأمرين، إما التيقظ، وإما الغفلة، ويرى أن حديثه مقبول. وفي هذا الذي قال نظر، ولا شك أن الثقة تضعف بخبر من كان هذا وصفه.
وهكذا ذكر رضي الله عنه في الراوي إن كان قليل الضبط، فإنه إن كانت قلة الضبط هي الغالبة عليه، فإن حديثه يرد، ولم يذكر في ذلك خلافا، وإن تساوت أحواله في الضبط وفي الإهمال، فذكر في ذلك قولين.
- أحدهما: رد خبره، لأن ذلك كأمر اجتمع فيه الحظر والإباحة، والحظر والإباحة إذا اجتمعا في أمر غلب الحظر.
- وقيل: بل يجتهد في حال راويه مثل هذا، وهو الذي اختاره القاضي أبو محمد، وإن كان عدم الضبط (لـ ...)(ص ٢١٩) فيه اختلافا، ولم يذكر اختلافا في الغفلة إذا كانت قليلة كما تقدم.