فيه الخلاف، ومعظم العلماء والأئمة المحققين على أن ذلك تلق مقبول معمول به، إذا علم من حال الساكت أنه كالناطق بالإذن بالنقل عنه. وذهب الناس (ص ٢٣٠) إلى أن ذلك لا يقبل ولا يعمل به، وإليه ذهب قوم من أهل الظاهر، ولا معنى للخلاف في هذا، لأن قرائن الأحوال تفيد العلوم الضرورية، وكم من صامت يكون كالمخبر، فإذا كان الأستاذ عدلا ورعا، وانتصب وتصدر لقراءة الناس عليه وحملهم الدين عنه، وعلم أنه غير مجبور على السكوت على باطل، ولا خائف من إنكار كذب، وأنه سمع ما قرئ عليه، حتى لم يغفل عن شيء منه، وأن الناس ينصرفون من مجسه ويروون ما قرأه عليه ويعملون به ويأمرون الناس بالعمل به، فإنا لو فرضنا أنه سمع ما ما قرئ عليه باطلا، أو كذبا وتحريفا، ولم ينكر ذلك وقد تحق أنه يروي عليه ويعمل به، فإن هذا يؤذن بفسقه وضعف دينه، ونحن فرضنا المسألة في عدل موثوق به، فإذا علم أن العدل لا يرضى بهذا صار عدم إنكاره وتقريره للقراءة عليه على ما قرأه وانصرفوا به عنه كالنطق يأذن لهم في النقل.
ولا العبارة من هذا القسم تكون بخلاف العبارة عن القسم الأول، فإذا قال في هذا: قرأت عليه، أو حدثني، أو أخبرني قراءة عليه، فلا شك في صدق هذا الخبر، وصحة هذه العبارة. وأما إن اقتصر على قوله: أخبرني وحدثني، ولم يضف إلى هذا قراءة عليه، فإن الحاق من الأئمة يكرهون له هذه العبارة، ويأمرون باجتنابها لكون ظاهرها يقتضي أن الشيخ تولى نفسه القراءة أو الإملاء، فيتحوف أن يقع المعبر بمثل هذه العبارة في التدليس على السامع، ومن الناس من تسامح في إطلاقها، ولعله رأى أن العرف لما اطرد بها وكثر استعمالها فيما قرأه القارئ على أستاذه، جانب المعبر بها حال المدلس الموهم للسامع ما ليس بحق. ومن الناس من ذهب إلى أنه لا يقول: حدثني وأخبرني مطلقا دون أن يقول: قراءة عليه، إذا لم يقرر الأستاذ السماع عند فراغه نطقا، فأما إذا قرره نطقا عند انقضاء السماع فإنه يجوزأن يقول: أخبرني، ولا يقول: حدثني، لأن الحديث يقتضي المشافهة، وهو لم يشافهه، والإخبار يفيد العلم، وهو قد أعلمه بما قرره.
وقد شرطنا في هذا الفصل أن يكون الأستاذ عالما بصحة ما قرئ عليه، غير غافل عن شيء منه، فأما إذا قرأ من حفظه، أو أملى من حفظه، فلا شك في أنه على ثقة مما أورد، وقد اختار بعض الناس للحفاظ أن يكون بأيديهم كتبهم، استظهارا للثقة واحتياطا من غلط أو سهو، وهذا الشرط مبالغة في الاحتياط، لا على أنه لا تصح الرواية إلا به، لأن العدل