للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوجب كذا وفرضه، أو يحتمل أن يكون عند العرب مترددا بين أن يكون أمر وجوب أو أمر ندب؟

والثالث أن يصمم على أن معنى اللفظ الذي أورد هو معنى اللفظ الذي سمع، ولكن لا علم له بالحقائق حتى يكون على ثقة من تصميمه، فالجاهل لا يوثق بتصميمه على الأمور، وهجومه عليها من غير معرفة بطرق اليقين، إذا كان ما صمم عليه خارجا عما لا يمترى في كونه معلوما ضرورة.

والرابع أن يكون عالما بالحقائق والعموم، ولكن إنما صمم على أن مراد المتكلم بلفظه ما اعتقده من جهة استدلال على ذلك، فإن هذا لا يسوغ له نقل الحديث بالمعنى وتبديل العبارة، التي إنما ضبط معناها بالاستدلال إلى عبارة يفهم منها المعنى الذي استدل عليه، ولا يفهم منها ما سواه، ولا يتردد بينه وبين ما عداه. وهذا كما لو سمع قوله عليه السلام: "ذكاة الجنين ذكاة أمه"، وهو لا يتردد بين أن يكون أراد أنه يذكي مثل ما تذكى أمه، أو أراد أن ذكاة أمه ذكاة له وإن لم يذك، فيكون أداه الاستدلال من جهة أحكام الإعراب وصناعة النحو، وشواهد الأصول إلى أحد المعنيين، فيعبر عن ذلك بعبارة تكون نصا في المعنى الذي تأول واعتقد، ويضيف ذلك إلى النبي عليه السلام فيقول: قال عليه السلام: إن الجنين يذكي مثل ما تذكى أمه، أو يقول: قال عليه السلام: إن الجنين يكفي فيه ذكاة أمه ويستباح بها، وأمثلة هذا لا تحصى كثرة. فهذا موقع الاتفاق على منع النقل، وقد ضبطناه بهذه الأربعة.

وأما موقع آخر اتفاقي فهو ما انفرد به القاضي عبد الوهاب فإنه ذكر أنه يشترط في المسألة شرطا أغفله الكل، وأشار إلى أن الخلاف إنما يصور في حديث سمع من النبي عليه السلام نقل ألفاظه حتى يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في إيراده إياه مرة واحدة من غير تكرير يقصد به أن يحفظ عنه، وإنما إذا أورد حديثا طويلا يعلم أنه لا يحفظ عنه على حال إلا أن ينتصب لتعليمه وتحفيظ ألفاظه، فإن هذا ينقل على المعنى.

وهذا الذي قاله رحمه الله وانفرد به، قد يسبق إلى النفس قبوله لما يتخيل فيه من الضرورة إلى الاقتصار على المعنى، ولكن عندي فيه تفصيل هو كش الغطاء فيه، وذلك أن الحديث الطويل إذا كان النبي عليه السلام أورده على (ص ٢٣٩) أصحابه إيراد غير قاصد إلى الإذن في نقله عنه، لكونه لا يتعلق به حكم، أو لا تمس الحاجة إلى نقله، أو لكونه يتعلق به حكم مقصور على السامعين، فإن هذا لا أراه يسلم من الاختلاف في جواز نقله على المعنى، إذ لا حاة لمغير اللفظ وبملده إلى نقله على المعنى، وهذا كإخبار النبي عليه السلام بحديث

<<  <   >  >>