الباب لا تحصى كثرة، لكن نذكر ما ذكره الشافعي. ذكر أن الشافعي [ذهب] إلى أن ما وقع من الاختلاف في حديث ابن مسعود من أنه "أتى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة (ص ٢٤٢) ليستنجي بها، فرمى النبي عليه السلام الروثة، وقال: إنها رجس"، وزاد بعض الرواة فقال:"إنه رمى بالروثة، ثم قال: ابغ لي ثالثا"، فالسكوت عن هذه الزيادة لا يمنع من استقلال ما رواه الناقل الآخر، وإفادته لما أفاده، ولكنه قد يوهم جواز الاقتصار على حجرين في الاستنجاء، فيمنع الراوي من الاقتصار على قوله:"رمى بالروثة"، وحذف ما بعد ذلك، وتحمل رواية المقتصر على أنه لم يبلغه غير ما رواه.
واختار أبو المعالي في هذا تفصيلا فقال: إن قصد الراوي استعمال منع الروث في الاستنجاء، ونقل ما يدل على صحته من رمي النبي عليه السلام للروثة، وحكمه بأنها رجس، فإن هذا سائغ بقصده ذلك، ولكنه [إذا] أورد الحديث غير متعلق بغرض معين، فلا يجوز الاقتصار على ذكر رمي الروثة، لما فيه من الإيهام الذي قدمناه.
وهذا الذي قاله أبو المعالي فيه نظر، لأنه وإن قصد بما ساق الاحتجاج على منع الاستنجاء بالروث، فإنه قد يظن السامعون للحديث أن الذي أورده هو غاية الحديث ومنتهاه، فيحتجون به في مقصدهم أيضا في جواز الاقتصار على حجرين، فيكون في هذا النقل إيهام وتدليس، لكن لو أفهمهم من شاهد الحال أنه لم يسق الحديث على نصه وكماله، وإنما أورد ما يتعلق بغرضه، فمثل هذا يصح أن يذهب إلى جوازه.
وذكر عن الشافعي أيضا أن الحديث المروي فيه إثبات الجلد مع الرجم في زنا المحصن يرده حديث ماعز، لأنه عليه السلام لم يجلده، فصار ناسخا لما تقدم من الحديث [الذي] فيه جلد مع رمه لأ [ن] قصة ماعز مشهورة، فلو وقع فيه الجلد لذكر. ثم عطف الشافعي عن هذه الطريقة إلى أخرى فعول على أن أبا الزبير روى عن جابر "أنه عليه السلام رجم ماعز ولم يجلده"، ولولا هذه الزيادة لما عارضنا الحديث الأول بقصة ماعز. وذكر القاضي أن ما قاله الشافعي يتأكد بالإجماع على ترك الجلد، ثم قال: وما أرى الحديث